أخر الاخبار

دعوى التعويض بناء على نظرية المخاطر (مسؤولية الدولة بدون خطأ)


دعوى التعويض
بناء على نظرية المخاطر (مسؤولية الدولة بدون خطأ)





مقدمة
  تبين في أواخر القرن التاسع عشر أن مبدأ سيادة الدولة، لا يتنافى مع خضوع هذه الأخيرة للقانون، خصوصا بعد انتشار النظم الديمقراطية، فالدولة عندما تقوم بنشاط معين، وينتج عن هذا النشاط ضرر للغير، تلتزم بتعويض المتضرر عن الضرر الذي لحقه، والأصل في مسؤوليتها أنها تكون خطئية، إلا أنه ومع تطور الأساليب الحديثة والتكنولوجيا المتطورة التي أضحت تستخدمها  في القيام بنشاطها، أصبحت هذه الاستخدامات تتسبب في أضرار مختلفة للأغيار، مما دفع الاجتهاد القضائي إلى ابتداع أساس جديد للمسؤولية بإمكانه أن يسع هذه الحالات الجديدة التي ما فتئت تطرح على القضاء بكثرة ويكون فيها الاستناد إلى فكرة الخطأ مستبعدا ، فكان هذا الأساس هو نظرية المخاطر، واستطاع بذلك أن يمد مجال المسؤولية إلى أوسع نطاق لكي تشمل حالات جديدة.
 إن مبادئ العدالة، ومبدأ المساواة بين المواطنين في تحمل الأعباء العامة، وقصور المسؤولية الخطئية في مواجهة ظهور قضايا شائكة أمام القضاء (نتجت عن الاصطدام المباشر للأفراد بالوسائل الحديثة والمتطورة التي ازداد الاعتماد عليها من طرف الدولة، بحكم تدخلها الاقتصادي)، كلها تعد من بين الأسباب الرئيسية التي دفعت بالاجتهاد القضائي إلى تبني نظرية المخاطر كأساس للمسؤولية، حيث أصبحت تثار أمام المحاكم الإدارية قضايا جديدة يطالب فيها المتضررون باستيفاء حقوقهم من الدولة في شكل تعويض عن الأضرار التي لحقتهم جراء نشاطاتها، حتى ولو لم تقم بأي خطأ، وهنا وجد القاضي الإداري نفسه أمام ضرورة تحكيم قواعد العدالة، ولو لم يقم بذلك لضاعت تلك الحقوق، حيث لا سبيل إلى استردادها بحكم أن فاعلها مجهول، وبالتالي التجأ القاضي الإداري  إلى إثارة مسؤولية الدولة بناء على فكرة المخاطر، وأن من جر نفعا من شيء التزم بتحمل تبعة الأضرار التي يسببها هذا الشيء.
      وقد سعى الاجتهاد القضائي إلى بسط القواعد الجديدة المتوصل إليها في تطبيق هذه النظرية، لتشمل مجالات متنوعة، سواء في مجال الأنشطة المادية أو القانونية، إلا أنه بقدر ما يتوسع في تطبيقاتها، بقدر ما يضيق  من إعمالها، حتى لا يكون هذا التوسع على حساب المبدأ والأصل العام للمسؤولية، المتمثل في الخطأ، وهكذا عمل القضاء الإداري الفرنسي والمغربي على توسيع التطبيقات القضائية لمسؤولية المخاطر، بعدما كان تطبيق هذه الأخيرة ينحصر على الأغيار في بادئ الأمر، لتتطور وتشمل حتى المتعاونين مع الإدارة، ثم تطورت في المرحلة الحالية لتشمل حتى المرتفقين، كما هو الشأن في المسؤولية الطبية.
  وبالعودة إلى الاتجاه الذي سار عليه المغرب، نجد أن المسؤولية بدون خطأ كانت من صنع المشرع باعتباره واضع الأسس القانونية المنظمة لها في الفصلين 79 و 80 من ق ل ع، والمادة 8 من قانون المحاكم الإدارية، وهو ما كان له أثر كبير على مستوى الأحكام والقرارات الصادرة عن القضاء المغربي، الذي عمل من جانبه على تطبيق هذا النوع من المسؤولية، والتوسيع من نطاقها تماشيا مع الاتجاهات الحديثة للقضاء الإداري الفرنسي، وكان أول قرار له في هذا المجال بتاريخ 4 يناير 1940 في قضية "Pasquis".
  وبتتبع الأحكام والقرارات القضائية المغربية التي أضحت ترسخ بشكل كبير المسؤولية غير الخطئية، بل وتدعيمها بمبدأ جديد يكرس المبادئ المشار إليها سابقا وهو التضامن الوطني، وبالالتفات أيضا إلى الدعم الفقهي لها في توجهها هذا،  نستجلي الأهمية البالغة لهذا الموضوع، الذي سنحاول بسط أطرافه من خلال الإجابة على الإشكالية التالية: إلى أي مدى استطاعت نظرية المخاطر تجاوز قصور المسؤولية الخطئية استنادا إلى الفقه والتشريع والقضاء ؟
 وفي محاولة منا للإحاطة بجوانب هذا الموضوع سنتبع التصميم التالي:
        المبحث الأول: ماهية المسؤولية بدون خطأ
المطلب الأول: مفهوم وخصائص المسؤولية بدون خطأ
الفقرة الأولى: المفـــــــــهـــــــــــــوم
الفقرة الثانية: الخصـــــــــــــــــــائص
المطلب الثاني: عناصر المســـــــــــــؤولية بــــــدون خــــــــــــــطأ
الفقرة الأولى: العمل المشــــــــروع
الفقرة الثانية: الضــــــــــــــــــــــرر
الفقرة الثالثة: العلاقة الســـــــــببية
المبحث الثاني: تجليات المسؤولية بدون خطأ
المطلب الأول: المسؤولية بدون خطأ بين الفقه والتشريع.
الفقرة الاولى: دور الفقه في تطوير نظرية المخاطر.
الفقرة الثانية: توجه التشريع في تكريس نظرية المخاطر.
  1. الاضرار الناتجة عن الأخطار المهنية
  2. الأضرار الحاصلة للمتعاونين مع الادارة
  3. الأضرار الناتجة عن الاضطرابات(الأخطار الاجتماعية)
  4. الأضرار التي تلحق التلاميذ والطلبة بالتعليم العمومي والأطفال بالمخيمات العمومية
  5. الاضرار الناتجة عن بعض الأحكام القضائية التي تمت مراجعتها
  6. الاضرار الناتجة عن نزع الملكية
المطلب الثاني: التوسع القضائي في تطبيق نظرية المخاطر
الفقرة الأولى: حالات المسؤولية بدون خطأ من خلال الاجتهاد القضائي
  1. الأضرار الناتجة عن مخاطر الجوار غير العادية
   2 - الأضرار الناتجة عن الأشغال العامة
   3 - الأضرار الناتجة عن استعمال الأشياء الخطرة
   4 - الأضرار الناتجة عن عدم تنفيذ الاحكام القضائية
   5 - الأضرار الناتجة عن تطبيق المراسيم أو القرارات
   6 - الأضرار التي تتسبب فيها الحيوانات الموجودة تحت حراسة شخص عام
الفقرة الثانية: التضامن الوطني كأساس حديث للمسؤولية غير الخطئية












    المبحث الأول: ماهية المسؤولية بدون خطأ
  إلى جانب المسؤولية التي تقوم على أساس الخطأ، أحدث مجلس الدولة الفرنسي نوعا آخر من المسؤولية يقوم على أساس المخاطر، وسنتناولها من خلال التطرق إلى المفهوم و الخصائص (المطلب الاول)، ثم عناصر هذه المسؤولية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: مفهوم وخصائص المسؤولية بدون خطأ
  كما هو معلوم فإن خصائص أي مفهوم تشتق من تعريفه لذا سنعالج هذا المطلب من خلال فقرتين: المفهوم ك(فقرة الاولى)، ثم الخصائص ك (فقرة الثانية).
الفقرة الأولى: المفـــــــــهــــــــــــوم
  تعرف المسؤولية بشكل عام بأنها:" الالتزام النهائي الذي يقع على عاتق شخص بتعويض شخص آخر عن الضرر الذي تسبب له به"، أو" مؤاخذة الشخص و محاسبته عن الأفعال التي أتاها مخالفا للقواعد والأحكام الأخلاقية والقانونية، ونتج عنها ضرر أصاب الغير"، و يعرف محمد أحمد عبد المنعم مسؤولية المخاطر بأنها: " التزام الإدارة بتعويض المتضرر عن الأضرار التي لحقت به إثر نشاطها المشروع، متى ترتبت عليها أضرار تتسم بالخصوصية والجسامة وتؤدي إلى الإخلال بالمساواة بين الافراد أمام الأعباء العامة، الأمر الذي يوجب التعويض عنها تحقيقا لاعتبارات العدالة"، كما عرفها الأستاذ عبد العزيز الشرقاوي بأنها:" نظام للمسؤولية مفاده أن من يستفيد ماديا أو معنويا من نشاط يجب أن يتحمل عواقبه الضارة للغير".
في حين أعطاها  الفقه الفرنسي التعاريف التالية:
  • Houriou:" اعتبر أن فكرة المخاطر لا تعدو أن تكون تأمينا ينفرد المشرع بتحديدها".
  • Chapus:" تلك المسؤولية التي تنعقد بقوة القانون - رغم غياب الخطأ - استنادا إلى الضرر الناجم عن نشاط الإدارة"
  • Baville:" تلك المسؤولية التي يثير أمر انعقادها تحقق ضرر غير عادي بفرد أو بمجموعة أفراد أو يتجاوز الحدود المألوفة للضرر رغم انتفاء أي تقصير من جانب الإدارة"
  • أما الفقيهان "Vedel" و "Delvolve" فقد حاولا تقريب هذا المفهوم من خلال عرض أهم تطبيقات مسؤولية المخاطر، وتنعقد حسب تصورهم في حالتين:
"الأولى استناد إلى المخاطر والثانية استنادا إلى الإخلال بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة".
الفقرة الثانية: الخصائص
تتمتع نظرية المخاطر بالخصائص التالية:
  1. الطابع الاستثنائي للمسؤولية بدون خطأ
   لا شك أن الأساس القانوني الأصيل و الطبيعي للمسؤولية بصفة عامة يبقى هو الخطأ، ولكن العمل أو النشاط الإداري الضار قد تلابسه ملابسات و تحيط به ظروف تجعل الخطأ معدوما أو مجهولا، ولا يطلب القضاء إثباته للحكم بتعويض المتضرر من قبل الإدارة العامة، ويحكم بذلك على أساس المخاطر.
  فكانت بذلك هذه النظرية أساسا قانونيا ذي صفة ومكانة ثانوية تكميلية و استثنائية، بالنسبة إلى الأساس الطبيعي و الأصيل في المسؤولية أي الخطأ، فهي أساس قرره القضاء الإداري كصيغة قانونية تحقق التوازن بين الحقوق و الامتيازات المقررة للإدارة، إذن فالمسؤولية على أساس الخطأ هي القاعدة العامة، في حين أن المسؤولية بدون خطأ هي القاعدة الاستثنائية.
  كما تجدر الإشارة إلى أن مجلس الدولة الفرنسي، وإن كان يسلم هو أيضا بوجود المسؤولية على أساس المخاطر، إلا أنه قلما يذكر هذا المبدأ في أحكامه، فهو يكتفي بالتقرير بأن الضرر الذي لحق رافع الدعوى يشتمل على الصفات الذاتية التي تؤدي إلى المسؤولية، بصرف النظر عن قيام خطأ من جانب الإدارة.
  1. المسؤولية بدون خطأ هي مسؤولية مبنية على فكرة المخاطر
  الخاصية التي تتميز بها المسؤولية على أساس المخاطر، هي أن المسؤولية تقوم دون اشتراط ركن الخطأ، حيث أن المتضرر لا يكون مطالبا بإثبات قيام خطأ ما، ونسبته إلى شخص أو مرفق ما، بل يكفي أن يبين قيام العلاقة السببية بين النشاط الإداري و الضرر الحاصل، كما أن هذا الضرر يتوفر على شروط معينة.
  1. لا يشترط فيها صدور قرار إداري
  كما هو معلوم فالفقه والقضاء يعرفان القرار الإداري بأنه: "تصرف قانوني صادر عن الإرادة المنفردة للسلطة الإدارية من أجل ترتيب أثر قانوني"، وإذا ما ربطنا بين ما يرتبه القرار الإداري من آثار وبين قيام مسؤولية الإدارة بدون خطأ منها، فإننا نجد أنه حتى في الحالة التي لا تبادر الإدارة باتخاذ قرار معين، فإن مسؤوليتها تقوم بناء على أسس أخرى من بينها المساواة أمام تحمل الأعباء العامة، فالمسؤولية بدون خطأ لا يشترط فيها صدور القرار الإداري حتى يحكم بالمسؤولية الإدارية على أساسها، فهي تختلف عن نظرية انحراف السلطة، التي يشترط فيها صدور قرار إداري.

  1. الجزاء على المسؤولية يكون دائما بالتعويض
  إن تطبيق نظرية المخاطر يؤدي إلى الحكم بالتعويض، حيث أن هذه النظرية لا علاقة لها إطلاقا بقضاء الإلغاء، فهي بذلك تختلف عن نظرية الانحراف في استعمال السلطة، وتلتقي مع نظرية التعسف في استعمال الحقوق الإدارية اذ يحكم فيها هي أيضا بالتعويض.
  1. نظرية المسؤولية بدون خطأ نظرية قضائية
  في إطار سعي الاجتهاد القضائي الإداري الدؤوب لاستخلاص الكثير من المبادئ وابتداع الحلول المناسبة للمنازعات الإدارية، فقد نجح في إرساء نظرية المسؤولية على أساس المخاطر، ما يستشف أن القضاء الإداري قضاء إنشائي و القاضي الإداري له سلطات واسعة على عكس القاضي المدني الذي يبقى في أغلب أحكامه أسير النص القانوني المكتوب.
  ويعود الفضل في إرساء المسؤولية بدون خطأ إلى القضاء الفرنسي، خاصة أنه توسع في إرساء قواعدها و أسسها، وحدد شروطها ومجالات تطبيقها، وذلك حفاظا على التوازن بين المتضرر حماية لحقوقه و حرياته، وبين ما تتمتع به الإدارة من امتيازات السلطة العامة، تحقيقا للعدالة و التضامن الإجتماعي.
المطلب الثاني: عناصر المسؤولية بدون خطأ
  تقوم مسؤولية الدولة بدون خطأ على أساس الخطر أو المساواة أمام التكاليف العامة، إلا أنها لا تتحقق إلا بتوفر ثلاثة عناصر، وهي: العمل المشروع (الفقرة الأولى) والضرر(الفقرة الثانية)،  والعلاقة السببية(الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: العمل المشروع
  على عكس المسؤولية الخطئية التي تنبني في قيامها على ضرورة وجود خطأ من الإدارة، فإن المسؤولية غير الخطئية لا تركن إلى هذا العنصر، بل يكفي لقيامها أن يكون الضرر اللاحق بالمدعي له علاقة مباشرة بالعمل المشروع الذي تقوم به الإدارة أثناء مباشرة نشاطاتها المرفقية؛ وقد يكون هذا العمل المشروع اختياريا أو في إطار التزام تعاقدي بينها وبين الخواص، وتختلف الأعمال التي تقوم بها الإدارة حسب نوع الخدمة المرفقية أو المصلحية التي تقدمها، وهو ما يستتبع اختلاف الأضرار الحاصلة للمرتفقين أو الأغيار واختلاف وطبيعتها ودرجاتها،  فقد يحدث الأضرار بمناسبة حفظ الأمن، أو توفير ظروف السلامة الصحية، أو تقديم الخدمات التعليمية...
  هذا وقد تحدث الأضرار إما بسبب المنشآت أو توابعها أو الآلات والأدوات المستعملة فيها، أو بسبب الموظفين أو المتعاونين مع الإدارة شريطة انتفاء خطئهم.




الفقرة الثانية: الضرر
  يكون المتضرر ملزما بأن يثبت بكافة الوسائل الضرر الذي لحقه، ويمكن الاستعانة بتقارير الخبراء في هذا المجال، ويشترط في الضرر أن يكون ماديا يصيب المتضرر في ماله أو بدنه، أو معنويا يصيب الفرد في شرفه، أو سمعته أو كرامته أو عواطفه.
  • الضرر المادي:
   كالضرر الذي يصيب جسم الإنسان و يلحق به عجزا دائما أو مؤقتا، أو يصيبه في أمواله، أو وظيفته، ويشترط فيه أن يكون:
  1. مباشرا وغير ناتج عن سبب أجنبي
  2. حالا وليس محتملا، أي محقق الوقوع
  3. يمكن تقديره ماديا
  4. أن يكون خاصا وليس عاما
  5. أن يكون الضرر قد أخل بمركز يحميه القانون أما الضرر الذي يخل بمركز غير قانوني فلا تعويض عنه.
  ويمكن للقاضي أن يستعين برأي الخبراء، إذا لم يتوفر على العناصر الكافية لتقدير الضرر.
  • الضرر المعنوي:
  هو الذي لا يلحق المصلحة المالية للمتضرر، بل يمس المشاعر، أو العواطف، أو النفسية، فإذا كانت الآلام لا يمكن تقويمها بالمال، فمع ذلك استقر القضاء على منح تعويضات للمصاب بالضرر المعنوي، ويتم تقديره بشكل جزافي، و في المغرب يلاحظ أن التعويض يقدم على شكل تعويض إجمالي.
  وفي هذا الإطار قضى قرار للغرفة الإدارية عدد 4 بتاريخ 10-01-2007 بين الجمعية المهنية الأمل للسوق اليومي بالفقيه بنصالح ضد الدولة المغربية بما يلي:" يستحق التعويض عن الضرر المعنوي الناتج عن رفض السلطات المحلية تسليم وصل إيداع وثائق جمعية و المتمثل في حرمان هذه الجمعية من ممارسة حقها الدستوري في عقد التجمعات و التعبير... وحيث أن الخطأ المصلحي قد ترتب عنه ضرر معنوي تستحق عنه تعويضا يقدره المجلس في 20,000,00 درهم".
الفقرة الثانية: العلاقة السببية.
  لا يمكن منح أي تعويض إذا لم يكن هناك ارتباط بين نشاط المرفق، و الضرر الحاصل، فسواء كانت المسؤولية خطئية أو غير خطئية، فإن العلاقة السببية ضرورية لجبر الضرر، فإذا كان الفعل المتسبب في الضرر خارجا عن النشاط الإداري، فلا يمكن إثارة مسؤولية الإدارة، بل ينبغي إعفاء الشخص العمومي من المسؤولية.
  وعادة لا يثير اكتشاف هذه العلاقة أية صعوبة، إلا إذا تعددت الافعال المتسببة في الضرر، إذ ينبغي توزيع المسؤولية على العوامل المساهمة في إحداثها كل بقدر نصيبه، وقبل صدور قانون المحاكم الإدارية كان بإمكان المحاكم الابتدائية أن تحكم في حكم واحد على الإدارة والخواص بالتعويض، وتحدد نصيب كل منهما في الضرر الحاصل، فاذا ساهم الضحية بخطئه في الضرر الذي لحق به، فإنه يتحمل نصيبا من هذه المسؤولية تكون بحسب درجة مساهمته فيها.
  وتنتفي العلاقة السببية إذا ثبت وجود:
  • خطأ المضرور: فقد يكون الضرر الذي لحق بالمدعي هو من فعل المضرور نفسه، كما لو حاول شخص أن يركب القطار أثناء سيره _وهو ما تمنعه أنظمة المواصلات _ فتزل قدمه فيسقط و يصاب بجروح ورضوض.
  • القوة القاهرة: ويعرفها الفصل 269 من قانون الالتزامات و العقود بأنها " كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية ( الفيضانات و الجفاف، والعواصف والحرائق والجراد وغارات العدو وفعل السلطة "
  • الحادث الفجائي: المشرع المغربي لم يفرق بين الحادث الفجائي و القوة القاهرة، حيث جاء في الفصل268  من قانون الالتزامات و العقود" ....... كالقوة القاهرة أو الحادث الفجائي.... "، في حين فرق الفقيه جوسران بين القوة القاهرة و الحادث الفجائي  فاعتبر هذا الاخير حادثا يأتي من الداخل، وأن القوة القاهرة حادث يأتي من الخارج.
  • فعل الغير : لا يفترض لقيام المسؤولية غير الخطئية أن يتوسط العمل المشروع للإدارة والضرر، فعل للغير، بل يجب أن تكون هناك علاقة سببية مباشرة بين العمل المشروع والضرر لقيامها، وإلا أصبح هذا الغير هو المسؤول عن جبر ضرر المدعي في إطار قواعد القانون الخاص.












    المبحث الثاني: تجليات المسؤولية بدون خطأ
  ساهم الفقه في تطوير نظرية المخاطر، فأخذت التشريعات ببعض ما ذهب إليه وكرسته(المطلب الأول) إلا أن السبق كان للقضاء في إيجاد هذه النظرية وتوسيعها (المطلب الثاني)
المطلب الأول: المسؤولية بدون خطأ بين الفقه والتشريع.
  أثناء تسلسل مراحل  التكريس التدريجي لنظرية المخاطر كأساس لقيام مسؤولية الدولة عن الاضرار الناتجة عن أعمالها المشروعة، كان للفقه دوره الأساسي في تيسير الطريق نحو هذا التكريس (الفقرة الأولى) الذي ما كان ليكون لولا ركون التشريع إلى بعض ما ذهب إليه هذا الفقه بهذا الخصوص (الفقرة الثانية).
الفقرة الاولى: دور الفقه في تطوير نظرية المخاطر.
  نظرية المخاطر هذه عرفت  صعوبة كبيرة في وضع تحديد دقيق لها، بحيث تعددت محاولات الفقه والاجتهاد القضائي في سبيل إجلاء هذه الصعوبة ، ويمكن إبراز هذه الصعوبة في ما عبرت عنه الدكتورة سعاد الشرقاوي من أن " موضوع  مسؤولية الدولة بدون خطأ عن موظفيها موضوع دقيق لم يستقر القضاء الإداري بصدده على مبادئ ثابتة فهو نظام في طريقه إلى التطور والنمو، وهو ما يفسر اختلاف الفقهاء بصدده، وتعدد التطبيقات التي يسعى الشراح عن طريقها إلى إيجاد نوع من النظام والترتيب بين الفروض التي تندرج تحت هذه المسؤولية " ، وفي هذا الإطار تعددت الإتجاهات بين الفقهاء، فهناك من اعتمد اصطلاح المسؤولية بدون الخطأ ، وهناك من اعتمد مصطلح المسؤولية على أساس المخاطر إلى جانب اتجاه ثالث حاول التوفيق بين المصطلحين وهذا ما ذهب إليه الفقيه de laubadère  حيث قال: "يكفي لانعقاد المسؤولية دون خطأ أو على أساس المخاطر أن تتوفر علاقة سببية بين الضرر والنشاط الاداري المشروع".
  وهذا السجال بين الفقهاء لا يشمل إلا الجانب المفاهيمي أما على مستوى الموضوع  فلا وجود لخلاف بين هذه الاتجاهات، فالأمر لا يتجاوز مجرد خلاف في التسميات، وعليه فإننا نتفق مع أنصار الاتجاه الثالث الذي يجمع بين المصطلحين، ولعل ذلك ما انتهى إليه الفقيه سليمان الطماوي  في هذا الجانب، إذ حرص على استعمال مصطلح المسؤولية على أساس المخاطر وفسره من خلال الإستعانة بتعبير المسؤولية دون خطأ.
  ويبقى اصطلاح المسؤولية على أساس المخاطر أكثر رسوخا وعراقة في مجال هذه المسؤولية وأكثر دلالة على مضمونها من غيره
  ولقد عمل الفقه على ترسيخ هذه المسؤولية القائمة على أساس المخاطر ، وكان له دور كبير في إرساء دعائمها ، بحيث نجد أن الفقه  ساند القضاء الإداري في إيجاد الحالات التي يتم فيها تطبيق نظرية المسؤولية على أساس المخاطر بدل المسؤولية على أساس الخطأ ، كما سانده في البحث عن الأسس والخصائص التي تحكم هذه المسؤولية.
الفقرة الثانية: توجه التشريع في تكريس نظرية المخاطر.
 تدخل المشرع لتمييز المسؤولية بناء على المخاطر عن المسؤولية على أساس الخطأ ،وبالرجوع إلى مختلف النصوص التشريعية بالمغرب المتعلقة بالموضوع، نجد أن المشرع المغربي تدخل لإقرار المسؤولية على أساس المخاطر  في عدة حالات وهي كالاتي:
  1. الاضرار الناتجة عن الأخطار المهنية
   تحتم مقتضيات العدالة أن تبقى الدولة مسؤولة عن المخاطر التي تلحق الموظفين العموميين نتيجة مساهمتهم في تسيير المرفق العمومي ، ونجد في هذا الصدد الفصل 19 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي ينص صراحة على أنه:"يتعين على الإدارة أن تحمي الموظفين من التهديدات والتهجمات والإهانات والتشنيع والسباب التي قد يستهدفون لها بمناسبة القيام بمهامهم، وتعوضهم إن اقتضى الحال ....".
  وفي هذا الصدد قضت المحكمة الإدارية بوجدة في حكم لها عدد 773 بتاريخ  27شتنبر 2017 بأن " إصابة رجل أمن أثناء قيامه بعمله المتمثل في حفظ الأمن ومكافحة أعمال الشغب، يوجب مساءلة مرفق الأمن عن الأضرار التي نتجت عن الأحداث مصدر الضرر، تأسيسا على نظرية المخاطر، أي بدون إثبات خطأ الإدارة".
  ويستفيد الموظفون المصابون بأضرار أثناء قيامهم بمهامهم الوظيفية أو بمناسبتها  من مقتضيات نظام المعاشات والتقاعد الخاص بالمدنيين، وفي هذا الموضوع نشير إلى قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا )عدد 310 بتاريخ 3 يوليوز 1968 في قضية أرملة أعبودو التي رخصت للمتضررين من حادثة أو مرض يرجع لمرفق عمومي ، الاختيار بين تعويض إجمالي مخول من قبل التشريع الخاص بالتقاعد أو القيام بدعوى التعويض استنادا إلى الفصل 79 من ظهير الالتزامات والعقود الذي ينص على أن: "الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها "، أو الجمع بين هذين التعويضين.   

  1. الأضرار الحاصلة للمتعاونين مع الادارة:
  تعتبر الإدارة مسؤولة عن الأضرار الحاصلة من مختلف فئات المتعاونين معها والذين يعملون باسمها أو يقومون بالأنشطة المعهودة اليها، ولا يحتاج هؤلاء لإثبات خطأ الإدارة للحصول على التعويض عن الأضرار التي تصيبهم من جراء نشاطهم داخل الإدارة، اللهم في حالة أخطائهم الشخصية، فهم يتحملون تبعة هذه الأخطاء.
 ويتمثل المتعاونون مجانا مع الإدارة في مختلف الأشخاص المتطوعين الذين يقومون ببعض الأنشطة المعهودة إليها، إما في الأعمال التطوعية كحملات النظافة أو الإنقاذ أو الإغاثة أو المشاركة مثلا في واجب وطني كالمسيرة الخضراء أو المشاركة في إحياء المناسبات الوطنية، وقد يتعرض هؤلاء لأضرار من جراء القيام بتطوعهم ونشاطهم في تعاونهم التطوعي بدون مقابل مع الإدارة ، وبالتالي فمن حقهم أن يحصلوا على تعويضات لجبر تلك الأضرار، ويخضعون إلى الظهير الشريف رقم 1.60.242  المتعلق بمنح التعويضات عن حوادث الشغل للأشخاص المساهمين في انجاز أشغال لحساب جماعات عمومية بصفة تطوعية وبدون أجرة.
  وفي هذا الشأن فقد سخر السيد عزوز بن أحمد الشعيبات للقيام بخدمة عامة لفائدة وزارة التجهير بمدينة العيون سنة 1978، فتعرض لهجوم واحتجاز قسري من طرف البوليزاريو، واقتيد تحت تهديد السلاح إلى مخيمات تندوف، وظل هناك محتجزا في ظروف صحية ونفسية سيئة إلى غاية 7 يوليوز 2002، وبعد رفعه لدعوى المطالبة بالتعويض استجابت له المحكمة الإدارية بالرباط فجاء في حكمها: "وحيث بالنظر لهذه المعطيات، فإن مسؤولية الدولة المغربية عن الأضرار التي لحقت بالمدعي من جراء احتجازه ثابتة، طالما أن هذا الاحتجاز الذي تعرض له خلال تواجده في موقع عسكري رغم عدم انتمائه للجيش، ما كان ليقع لولا تكليفه من طرف الإدارة بالمأمورية المشار إليها أعلاه". ولأن مبلغ التعويض كان زهيدا استأنف المدعي الحكم أمام الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، فأيدت الحكم ورفعت مبلغ التعويض إلى 500.000.00 درهم عوض 250.000.00 درهم.
  1. الأضرار الناتجة عن الاضطرابات(الأخطار الاجتماعية).
  تعتبر الدولة مسؤولة عن ضمان النظام العام بمدلولاته المتنوعة في الحفاظ على الأمن العام والسكينة العامة والصحة العامة ، ومن الواجب عليها أن تتخذ الإجراءات الضرورية للحفاظ على النظام العام. وقد يحدث ما من شأنه أن يخل بالنظام العام ويؤدي بالتالي إلى وقوع أحداث تؤدي بدورها إلى اضطرابات تنتج عنها أضرار ليس فقط للموظفين بل أيضا لعامة المواطنين، هنا تكون الدولة مسؤولة عن التعويض عن هذه الأضرار  بناء على نظرية المسؤولية بدون خطأ .
  ولقد نظم المشرع هذا التعويض منذ عهد الحماية بظهير30 شتنبر 1953 المتعلق بالتعويض الذي تمنحه الدولة عن الأضرار الناتجة عن الإخلال بالنظام العام والواقعة في الفترة ما بين 1 يونيو 1953 و 31 دجنبر 1956، ولقد ألغي هذا الظهير بمرسوم ملكي بمثابة قانون رقم 547.66 بتاريخ 24 اكتوبر 1966 .
  وعلى إثر أحداث الصخيرات (10 يوليوز 1971) وأحداث الطائرة (16 غشت 1972) ووقوع ضحايا نتيجة هذه الأحداث صدر ظهيران بتاريخ 2 يناير 1974 ، يتعلق الأول بالنظام الخاص بالمعاشات المخولة لذوي حقوق ضحايا حوادث الصخيرات  وأحداث الطائرة ، والثاني بالنظام الخاص بالمعاشات المخولة لذوي حقوق المأجورين من ضحايا الحادثين.
  كذلك الأمر بالنسبة للنصوص التشريعية الخاصة بمعاشات المقاومين وقدماء جيش التحرير تدخل في نطاق مسؤولية الدولة بناء على المخاطر التي تحملها هؤلاء الأبطال.
  1. الأضرار التي تلحق التلاميذ والطلبة بالتعليم العمومي والأطفال بالمخيمات العمومية:
   أدخلها المشرع في نطاق مسؤولية الإدارة بناء على المخاطر التي ينظمها الظهير المؤرخ في 26أكتوبر 1942 ، المتعلق بالتعويض عن الحوادث التي يتعرض لها تلاميذ المؤسسات العمومية، ولقد أدخلت عدة تعديلات على هذا الظهير الأصلي ، ليمتد التعويض إلى الأضرار الحاصلة لأطفال المخيمات التي تشرف عليها الإدارة سواء في نطاق وزارة التربية الوطنية أو الشبيبة والرياضة، وشملت مسؤولية الدولة على أساس المخاطر أيضا الطلبة بمؤسسات التعليم العالي وتلاميذ مؤسسات التعليم التقني والفني، وقد نص في فصله الأول على ما يلي:" ويمتد هذا الضمان إلى طلبة الكليات ومؤسسات التعليم التقني والعالي وتلاميذ المؤسسات العمومية، والتعليم الفني في الوقت الذي يكونون فيه تحت الحراسة الفعلية لمأموري الدولة، وكذا الأطفال المقيدين في سجلات مخيمات الاصطياف التي تنظمها وتسيرها السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم الابتدائي والثانوي والعالي" .
  ونشير هنا إلى أن التعويض يكون على أساس المخاطر ولا يتعلق بوجود خطأ، (في حالة إذا كان هناك خطأ فيتم تطبيق مقتضيات الفصل 85 مكرر من ظهير الالتزامات والعقود في إطار المسؤولية على أساس الخطأ).
 ويجب أن تكون هذه الأضرار حدثت في فترة الدراسة أو خلال فترة التخييم وفي هذه الحالات يكون التعويض إجماليا، لكن إذا ثبت خطأ المسؤولين عن حراسة هؤلاء التلاميذ والأطفال يمكن الأمر بتعويضات إضافية، إذ في حالة خطأ الإدارة يكون التعويض كاملا.
  وتجدر الإشارة إلى أن الأضرار التي يتعرض لها تلاميذ مراكز التدريب ومراكز التكوين المهني نتيجة تعاطيهم أشغالا تطبيقية أو من جراء التدريب أو التكوين أو أثناءه، لا تخضع لظهير 26 اكتوبر 1942 ، وإنما تخضع لظهير 25 يونيو 1927 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل.




  1. الاضرار الناتجة عن بعض الأحكام القضائية التي تمت مراجعتها:
  المشرع تدخل وفرض مسؤولية القضاء بمناسبة مراجعة الأحكام القضائية  بناء على التماس إعادة النظر فيها، ويتبين بأن المتضررين من هذه الأحكام التي تمت مراجعتها يمكن لهم مطالبة الدولة بتقديم التعويضات، ولا يتعلق الأمر هنا بتاتا بوجود خطأ من قبل القاضي الذي أصدر الحكم، بعكس ما هو عليه الأمر في مخاصمة القضاة، وبالتالي تندرج هذه الحالة في عداد المسؤولية الإدارية بناء على المخاطر، اذ نعتبر أنه من مخاطر الأحكام القضائية أن تصدر أحكام غير عادلة وغير صائبة من الضرورة مراجعتها إذا وفرت شروط الضرورة لذلك.
  1. الاضرار الناتجة عن نزع الملكية:
  ينص الفصل 35 من دستور 2011 على أنه " يضمن القانون حق الملكية. ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والإجتماعية للبلاد. ولا يمكن نزع الملكية  إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون " ويتجلى دور الإدارة في هذا الإطار في الحفاظ على هذا المبدأ وضمان تطبيقه.
  ولذلك فإن حق نزع الملكية ثابت للدولة والجماعات الترابية والأشخاص المعنوية الأخرى حسب مقتضيات الفصل 3 من ظهير 6 ماي 1982 ، والتي يتعين عليها -أي الهيئات العامة-  تبرير هدف المصلحة العامة. وفي مقابل ما تقوم به الإدارة من إجراءات لنزع الملكية من أجل المنفعة العامة، فإن المشرع لم يهضم حق الأفراد، إذ ألزم نازع الملكية بتعويض عادل يحدد أولا بالتراضي، وفي حالة تعذر ذلك تقوم السلطة المختصة بتحديد مبلغ التعويض وفي هذه الحالة ألزم المشرع الإدارة باتباع القواعد المنظمة لتقديم التعويض، والتي لها أن تستعين بخبراء مختصين إذا ظهر لها صعوبة في التقدير.
  وحماية للمنزوع ملكيتهم اشترط المشرع ألا تقل التعويضات المقترحة من طرف نازع الملكية عن التعويضات التي سبق تحديدها من جانب لجنة التقويم.
  وبذلك فإن مسؤولية الدولة تبرز في مثل هذه الحالات بالرغم من عدم ارتكاب أي خطأ من جانبها باعتبارها تسعى إلى خدمة المصلحة العامة وتسهر على تطبيق المبدأ الدستوري الذي يقضي بتساوي المواطنين أمام التحملات أو التكاليف العامة.
  ومن خلال مختلف تلك الحالات يتبين لنا دور المشرع من جديد في إبراز نظام المسؤولية الإدارية،  لكن يبقى دور الاجتهاد القضائي أكثر أهمية في وضع حالات المسؤولية بناء على المخاطر وهذا ما سنراه في المطلب القادم.





المطلب الثاني: التوسع القضائي في تطبيق نظرية المخاطر
  لم يقف القضاء عند حدود تبني وتطبيق نظرية المخاطر وفق معايير وحالات محددة (الفقرة الأولى) بل سعى دوما إلى توسيع نطاق تطبيقها (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: حالات المسؤولية بدون خطأ من خلال الاجتهاد القضائي
  استطاع القاضي الإداري، المغربي والفرنسي على وجه الخصوص، ابتداع وخلق تطبيقات جديدة للمسؤولية المبنية على أساس المخاطر، وقد عمل منذ الوهلة الأولى على إرساء قواعد حديثة، لاسيما في مجال المسؤولية عن الأعمال المتصلة بالأشغال العامة وإصابات العمل، وأيضا عن الأعمال المتصلة بالأنشطة الإدارية واستخدامها لأشياء خطيرة.
  1. الأضرار الناتجة عن مخاطر الجوار غير العادية
  قد يتعرض المواطنون لأضرار مختلفة جراء وجودهم بجوار منشآت أو أماكن خطرة، غير عادية، هذه الأضرار قد تلحقهم بسبب متفجرات أو أسلحة أو مواد صناعية أو كيماوية سامة، أو بسبب وجودهم بجوار السجون التي يعتقل فيها مجرمون خطرون قد يهربون، أو مستشفيات خاصة بالمرضى العقليين، أو حدائق لحيوانات مفترسة، أو ثكنات عسكرية، وقد ذهبت محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 21 يناير 1921 إلى أن تكسير زجاج النوافذ المجاورة لحي الاوداية بسبب ضرب المدافع إعلانا عن الساعة الثانية عشرة زاولا، يقتضي تعويض أصحابها بناء على فكرة "الخطر غير العادي للجوار"، بمعنى أنها أقرت مسؤولية الإدارة خارج الخطأ، وأكدت على أن القرار القاضي بضرب المدافع يدخل في أعمال السيادة، ولا خطأ فيما تقوم به.
  1. الأضرار الناتجة عن الأشغال العامة:
  أصبحت الدولة، بحكم ما تفرضه عليها وظيفتها التدخلية، ملزمة بتطوير أساليب إنجاز أنشطتها، هو ما يعني الانتقال من الاعتماد على الوسائل التقليدية إلى أخرى أكثر تطورا في سبيل مسايرة المتطلبات المتسارعة للمواطنين، وهذه الوسائل بحكم طبيعتها التقنية قد تتسبب في أضرار مختلفة للأغيار أو المرتفقين، وهو ما يفرض بالضرورة وفقا لمبادئ العدالة أن من غنم شيئا التزم بالتعويض عن الأضرار التي تسبب فيها هذا الشيء، وهو الاتجاه الذي سار فيه القضاء الإداري حيث أصبح يحمل المسؤولية للدولة، ولو بدون خطأ منها، عن الأضرار التي تسببها الأشغال العامة.
   فقد جاء في قرار للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في قضية ورثة التهامي بن محمد ضد المكتب الشريف للفوسفاط ما يلي: "لكن حيث أنه من الثابت أن المعامل التابعة للمكتب الشريف للفوسفاط تنفث دخانا وتلقي نفايات كيماوية وهو ما أكدته الخبرة...وأن النفايات التي تلقي بها الرياح على المزروعات المجاورة تحجب عنها أشعة الشمس، وبذلك تتسبب لها في أضرار جسيمة واستثنائية... مما يؤكد وجود ضرر وعلاقة سببية بينه وبين نشاط المكتب، وبالتالي فإن مسؤوليته عن تلك الأضرار قائمة على أساس المخاطر، وأن المستأنف عليهم محقون في التعويض من حيث المبدأ".
  وفيما يخص المناسبات الوطنية والأعياد الوطنية فقد اعتبرت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء أن: "المسؤولية عن ألعاب الفروسية، تقوم على أساس المخاطر سواء بالنسبة للمشاركين أو الجمهور الحاضر، وتلتزم الإدارة بالتعويض ولو لم يثبت في حقها أي خطأ".
  وهناك أيضا اجتهادات قضائية همت العديد من القضايا التي تدخل في هذا المجال، نذكر منها مسؤولية الإدارة عن الفيضانات التي أصابت ورشة أحد الأغيار نتيجة تحول مجرى النهر بسبب الأتربة الراجعة إلى القيام بأشغال عمومية؛ ومسؤولية الإدارة عن القنطرة التي وضعت على مشارف محطة لبيع البترول وأدت إلى حجب الرؤية عن الزبناء.
  1. الأضرار الناتجة عن استعمال الأشياء الخطرة
  أضحت الدول تستعمل في نشاطها وسائل متطورة، وتسعى من خلال ذلك إلى تلبية أكبر قدر من حاجيات الأفراد، واستعمال هذه الوسائل قد يسبب أضرارا للمرتفقين أو الأغيار،  وفي هذا الشأن قضت المحكمة الإدارية بالرباط بمسؤولية الإدارة العامة للأمن الوطني عن الضرر الذي لحق بالسيد محمد الأبيض نتيجة إصابته بطلقة نارية خاطئة كانت موجهة لأحد المشتبه فيهم أثناء مطاردتهم من طرف أحد أفراد الأمن الوطني. وعلى نفس الأساس أيدت الغرفة الإدارية بمحكمة النقض في قرار حديث لها يعود لسنة 2014، قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط الصادر لمصلحة المدعي مصطفى الرفيعي الذي تعرض لصعقة كهربائية أثناء رعيه لغنمه، وذلك عند اقترابه من عمود كهربائي يتدلى منه سلك مقطوع، مما تسبب له في حروق بليغة ونفوق دابته التي كان راكبا عليها، حيث جاء في هذا القرار بأن، "الخيوط الكهربائية ذات الجهد المرتفع من المواد الخطيرة التي يقع على عاتق المكتب الوطني للكهرباء، باعتباره المسؤول عن مرفق الكهرباء، حماية المواطنين من خطرها وحراسة الأماكن الموجودة بها، أي أن مسؤولية المكتب المذكور في هذه الحالة تنمو على أساس المخاطر، ولا يلزم المتضرر بإثبات الخطأ من جانبها".
  كما اعتبرت نفس المحكمة أن مسؤولية وزارة الداخلية والصحة قائمة عن وفاة مشجع في أحداث الشغب التي عرفتها مباراة فريقي الوداد والجيش الملكي بمركب الدار البيضاء، على إثر تعرضه لضربة في رأسه من طرف رجل أمن.
  وبالنسبة للأضرار التي يتسبب فيها انفجار الألغام، فإن الاجتهاد القضائي دائما ما كان يرتب مسؤولية الدولة في شأنها بناء على نظرية المخاطر، ففي أحد قرارات محكمة النقض لسنة 2015 اعتبرت الغرفة الإدارية بها أن حادث انفجار اللغم فوق التراب الوطني، يرتب مسؤولية الدولة في مواجهة الضحايا وفق نظرية المخاطر، اعتبارا للطابع الاستثنائي للضرر وخطورة تلك الأشياء، وذلك بصرف النظر عما إذا كان اللغم قد تم وضعه من طرف الإدارة أو الغير. وفي نفس الاتجاه جاء في قرار آخر للغرفة الإدارية بمحكمة النقض سنة 2014 مايلي: "وحيث أن محكمة الاستئناف لما تبين لها بأن الضرر ناتج عن انفجار قنبلة يدوية من حجم 60 ملم، وذلك بصفة خاصة من محضر الضابطة القضائية لا يمكن أن تكون في صورة أي شخص باستثناء القوات العمومية التي تكون المؤهلة قانونا وفعليا لاستعمالها في المهام المكلفة بها وبالتالي مسؤولة في كل ضرر يصيب الأشخاص وممتلكاتهم عن انفجار تلك القنابل".
  وتعتبر الحوادث التي يسببها مرور القطارات أو الناتجة عن استعماله المجال الخصب لتطبيق نظرية المخاطر، حيث مثلا ذهبت محكمة النقض في قرار لغرفتها الإدارية سنة 2014 إلى أن إعطاء إشارة الانطلاقة للقطار والمسافرون يهمون بالنزول يكفي لقيام المسؤولية على أساس المخاطر وتعويض ورثة الهالك. أما بخصوص رشق زجاج القطار بالحجارة وإصابة الركاب بأضرار نتيجة ذلك، فإنه  يجعل الدولة مسؤولة أيضا بناء على نظرية المخاطر وفق ماذهبت إليه محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط.
  1. الأضرار الناتجة عن عدم تنفيذ الاحكام القضائية
  حجية الأمر المقضي به من المبادئ المكرسة، وبالتالي يجب على الجميع الامتثال للأحكام الصادرة عن القضاء، والإدارة مسؤولة عن هذا الامتثال، وإن لم تنفذ هذه الأحكام قد تنتج هناك أضرار ولو لم يصدر من الإدارة أي خطأ، وقد عرفت فرنسا إدماج هذه الحالة ضمن حالات المخاطر بصدور حكم عن مجلس الدولة بتاريخ 30 نوفمبر 1923 في قضية «Gouitas »، ويتعلق الأمر برفض تنفيذ حكم صادر عن محكمة "سوسة" بتونس يقر بملكيته لإحدى الأراضي التي كان يستقر بها بعض الفلاحين التونسيين، ولقد حكم الحكم بإفراغهم من تلك الأرض، لكن الحكومة الفرنسية كانت ترفض استعمال القوة العمومية لإجبار الفلاحين على إفراغ الأرض خشية أن تقع اضطرابات أو ردة فعل نتيجة تدخل القوة العمومية، فأقر مجلس الدولة بأحقية الإدارة في تأجيل تنفيذ الحكم كما أقر بأحقية «Gouitas » في الحصول على تعويض تطبيقا لمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة في نطاق المسؤولية على أساس المخاطر.
  1. الأضرار الناتجة عن تطبيق المراسيم أو القرارات
  عملا بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة، يحق للمتضررين  جراء تطبيق بعض المراسيم أو القرارات أن يحصلوا على تعويضات من الإدارة، وهذا ما أكدته الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في قرارها بتاريخ 21 أكتوبر 1961 في قضية مدينة الدار البيضاء ضد Magro » «، إذ اعتبرت أن سحب رخص الحافلات الصغيرة للنقل بقرار بلدي، ألحق ضررا بأصحاب تلك الرخص.
  وفي هذا الاتجاه أصبح مجلس الدولة يقر بمسؤولية الإدارة بدون خطأ في حالة تطبيق القرارات التنظيمية، وكذا في حالة عدم تطبيقها، كما في حالة القرار الصادر عن مجلس الدولة بتاريخ 20 مارس 1970 في قضية وزارة إعداد التراب ضد "Navara".
  1. الأضرار التي تتسبب فيها الحيوانات المملوكة لشخص عام
  درج القضاء الإداري المغربي على هذا أن يحمل المسؤولية للدولة عن الأضرار التي تلحق بالأغيار أو المرتفقين، جراء تعرضهم للحوادث التي تتسبب فيها كل أنواع الحيوانات المفترسة أو غير المفترسة الموضوعة تحت حراستها وحمايتها، دون اشتراط إثبات الخطأ في مجموعة من القرارات و الأحكام، وسنعرض منها حكم المحكمة الإدارية بأكادير  عدد 20/2003 الصادر بتاريخ 30 يناير2003 .
      حيث يعرض المدعون بأن مورثهم تعرض لاعتداء من طرف خنزير بري إثر عودته من المدرسة بتاريخ 07/06/2000، وتم نقله إلى المستشفى حيث توفي بتاريخ 09/06/2000، وقد عاين الواقعة مجموعة من الشهود، وأن إدارة المياه والغابات هي التي استقدمت للمنطقة مجموعة من الخنازير حماية لها من الانقراض، و قد ذهبت المحكمة إلى  "أنه بالرجوع إلى الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود والمادة 8 من القانون 90/41 المنظم للمحاكم الإدارية، يتبين أن المشرع المغربي حدد الشروط الموضوعية لدعوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام في وجود ضرر وعلاقة سببية بين الضرر وعمل أو نشاط أشخاص القانون العام وحيث إن مسؤولية الدولة تكون ثابتة سواء كان ذلك بخطأ منها أو بدون خطأ متى توافرت الشروط المحددة في المادة 8 من القانون 90-41 لأن النص جاء مطلقا ويجب أخذه على إطلاقه".
  فالمحكمة الإدارية هنا باعتمادها على مقتضيات الفصل 79 من قانون الالتزامات و العقود تكون قد أغلقت الأبواب التي يمكن أن تنفذ منها الدولة للتحلل من المسؤولية، كالاستثناءين اللذين تضمنهما الفصل 86 من قانون الالتزامات و العقود، (إثبات الإدارة بأنها قد اتخذت الاحتياطات اللازمة لمنع الحيوانات  من إحداث الضرر أو لمراقبتها أو أن الحادثة قد نتجت من حادث فجائي أو قوة قاهرة أو من خطأ المضرور)، أو أي علة تمكنها من إثبات أن الفعل الصادر عنها لا يشكل خطأ، بحيث اكتفت المحكمة هنا بوجود الضرر و العلاقة السببية بين الضرر و فعل الإدارة ولو كان فعلها يدخل في زمرة المهام المخولة لها بحكم القانون، و هو جوهر نظرية المسؤولية الإدارية بدون خطأ استنادا على المخاطر الناجمة عن تسيير الدولة لأحد مرافقها، فإذا كانت حجة الدولة هنا هي كونها تمارس أحد أنشطتها بحكم القانون، و التي تخول لها حماية هذه الحيوانات المتوحشة و إصدار قوانين و ضوابط لقنصها فإنه ليس من العدل ترك المواطن عرضة للأضرار الناتجة عن خطر هذه الحيوانات دون جبر الضرر الواقع عليه.


الفقرة الثانية: التضامن الوطني كأساس حديث للمسؤولية غير الخطئية
   اتجه القضاء الإداري إلى تحميل الدولة المسؤولية وإلزامها بالتعويض إثر بروز حالات جديدة واستثنائية، كالحوادث الإجرامية ومخاطر بعض العلاجات الطبية والاعتداءات الإرهابية والكوارث الطبيعية ... إلى غير ذلك من النشاطات المشروعة أو غير المشروعة أو الفجائية التي تسبب أضرارا للأفراد سواء كانوا مرتفقين أو أغيارا، وهذا الاتجاه بناه القضاء الإداري على أساس حديث ينضاف إلى الأسس المتعارف عليها في المسؤولية وسماه التضامن الوطني أو الاجتماعي.
  إن هذا الأساس يستند إلى وجود مركز قانوني للمتضرر اجتماعيا في علاقته بالدولة، والذي بموجبه تصبح له حقوق خاصة لم تعد ترتبط بفكرة المسؤولية على أساس الخطأ أو المخاطر وفقا للقواعد العامة، بل أصبحت تشكل التزاما اجتماعيا وقانونيا أساسه الإنصاف والتكافل، وفلسفته التلاحم والتعاون بين الدولة من جهة وباقي مكونات المجتمع من جهة أخرى في مواجهة الظروف العصيبة والشديدة التي قد تثقل كاهل المتضرر جسديا أو معنويا أو ماليا.
  وفكرة التضامن الاجتماعي نجد صداها في القرآن الكريم بشكل جلي في عديد آياته ونذكر منها قوله تعالى:﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾ وقوله تعالى: ﴿والذين في أموالهم حق معلوم، للسائل والمحروم﴾،وهي الفكرة نفسها التي تؤكدها أحاديث نبوية كثيرة منها على سبيل المثال الحديث الشريف: ”من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته،ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما  ستره الله يوم القيامة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه“.رواه مسلم
  ومن جانبه لم يتغافل الدستور المغربي عن هذا الأساس الجوهري، حيث كرسه في الفصل 40 بقوله: "على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد".
  وتعد نيوزيلاندا أول دولة أخذت بنظام تعويض الضحايا سنة 1963 عن الجرائم التي يكون فيها الجاني معسرا أو التي لم يتم التعرف فيها على الجاني من الأساس، في حين تأخرت إنجلترا إلى حدود سنة 1988 لتعترف بمبدأ التضامن الاجتماعي حيث أصدرت نظام التعويض بموجب قانون العدالة الجنائية،  كما كان أول اعتراف لفرنسا بهذا الأساس سنة 1986 حين سنت القانون رقم 1020.86 المتعلق بإحداث صندوق خاص بتعويض الأضرار الناشئة عن جرائم الإرهاب، أما التشريعات المغربية فتكاد تخلو من تسطير هذا المبدأ، اللهم ما نصت عليه المادتين 24 و 25 من القانون رقم 02.12 المتعلق بالمسؤولية المدنية في مجال الأضرار النووية، وفي انتظار ملاءمة النصوص التشريعية مع ما قرره الفصل 40 من الدستور، يبقى اجتهاد القضاء الإداري هو المرجع في اعتماد هذا المبدأ.
  إن أول اجتهاد قضائي مغربي أقر بمبدأ التضامن الوطني، كان من خلال القرار المبدئي الصادر عن المجلس الأعلى بغرفتيه الإدارية والتجارية،  ويتعلق بقضية السيدة "أنطونيا كويباس" التي راحت ضحية الهجمات الإرهابية التي عرفها فندق إيسلي بمراكش بتاريخ 24 غشت 1994، وكان عمرها آنذاك 34 سنة، فتقدم زوجها أصالة عن نفسه ونيابة عن أبنائه القاصرين بمقال افتتاحي يحمل فيه المسؤولية للفندق المذكور وللدولة المغربية عن فقدان المتوفية أنطونيا نتيجة تقصيرهما في حماية زوجته، ويطلب فيه تعويضا ماديا ومعنويا عن الاضرار التي لحقته هو وأبناؤه نتيجة الأحداث الإرهابية المذكورة، فأقر المجلس الأعلى بعد استئناف الحكم الابتدائي بمسؤوليتهما ليس بناء على المبدأ العام للمسؤولية المتمثل في الخطأ المرفقي، وإنما على أساس آخر جديد  يتمثل في مبدأ التضامن الاجتماعي، وهكذا جاء في إحدى حيثياته ما يلي: "حيث إن الدولة لا تسأل عن ضمان وسلامة أي متضرر فوق أراضيها بصورة مطلقة ما لم يثبت في حقها خطأ جسيم...، وأن تسرب سلاح ناري الحدود لا يكفي وحده لإضفاء صبغة الخطأ الجسيم على الفعل، وذلك بالنظر إلى ظروف النازلة وإلى طول الحدود ووعورة تضاريسها، غير أنه استجابة لقواعد العدالة والإنصاف، ولموجبات الإنسانية المبنية على التضامن الوطني الذي تتكفل دول المعمور بموجبه - وعلى سبيل الإسعاف والمساعدة وفي حدود الإمكان- بصرف تعويضات لكل متضرر، كلما وقع مس خطير بالنظام الأمني العام عن طريق اعتداء إرهابي ذي طابع عبر وطني... وهو مايبرر تعويض ذوي حقوق الضحية في هذه النازلة".
  وسيرا على نفس النهج نجد بأن محكمة النقض أقرت مسؤولية الدولة عن الأضرار الناتجة عن أعمال الشغب والإحراق والنهب، واعتبرت المسؤولية قائمة في حق الدولة  بدون خطأ، مع حقها في الرجوع على المتسبب في الضرر ، وهذا ما ذهبت إليه الغرفة الإدارية بمحكمة النقض في قرار لها عدد 4 بتاريخ 8 يناير 2015 والذي جاء فيه  " من المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن الأضرار الناتجة عن أعمال الشغب التي تقوم بها جماعات تحركها قناعات وخلفيات مشتركة ....من أجل تحقيق أهداف وغايات تروم ضرب استقرار الدولة وزرع القلاقل فيها والمساس بأمنها، تسأل عنها الدولة في إطار التضامن الوطني بصرف النظر عن قيام الخطأ في جانب مرفق الأمن من عدمه".
  وسيرا على مبادئ التضامن الاجتماعي فيما يتعلق بأحداث 16 ماي 2003 فقد أصدر الملك ظهيرا قضى بتخصيص تعويض ومساعدات مالية لضحايا الإرهاب وأسرهم حددت في منحة إجمالية جزافية قدرها 500.000.00 درهم عن كل ضحية، وتصرف من الميزانية العامة وفق القواعد المنصوص عليها في المواد 11-12-13 من ظهير 2 أكتوبر 1984 بمثابة قانون المتعلق بتعويض المصابين في حوادث تسببت فيها عربات برية ذات محرك. وجاءت المبادرة الملكية لسد الفراغ والعجز الذي تعرفه النصوص القانونية المنظمة للتعويض، والذي كان من المفروض على قانون 03.03 أن يسد هذا الفراغ.
 وإعمالا لنفس المبدأ أيضا، تم تحديد ما يقارب 84 مليون دولار كتعويض إجمالي لكافة ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرفها المغرب خلال سنوات الرصاص.























الخاتمة:
 لقد ساهم كل من الفقه والقضاء في التأسيس للمسؤولية على أساس المخاطر، ووسع الاجتهاد القضائي من الحالات التي تشملها، ومنذ نشأة هذه المسؤولية عرفت تطورا تدريجيا لتشمل مختلف الجوانب التي تكون الدولة مسؤولة فيها عن التعويض عن الأضرار التي تلحق بالمرتفقين أو  الأغيار.
  فالمسؤولية  بدون خطأ تكون قائمة بمجرد وجود ضرر ناتج عن الفعل الضار، شريطة إثبات العلاقة السببية بين الضرر والفعل الذي تسبب في ذلك الضرر.
  ولقد كان الباعث الأساسي لهذا التطور، هو ضمان ورعاية حقوق الأفراد في علاقتهم مع الدولة، وتمكينهم من الحصول على تعويض مناسب عن الاضرار التي يمكن أن تلحق بهم، لذلك كان من الطبيعي أن يتمثل ذلك بصفة أساسية في تطوير وتحديث أساس التعويض في مجال مسؤولية الدولة.
  ولقد اعترف القضاء الإداري المغربي بعدة صور لهذه المسؤولية ، كما أنه تبنى مبدأ التضامن الوطني وهو مبدأ حديث ، على أساسه أصبحت الدولة مسؤولة عن تعويض كل متضرر من جراء الجرائم الإرهابية أو الآفات التي قد تضرب البلاد بصفة مباغتة أيا كان نوعها، وذلك على غرار التشريعات المقارنة الفرنسية والجزائرية، التي وضعت نصوصا قانونية تخص إقرار مسؤولية الدولة بدون خطأ عن تعويض المتضررين من أعمال وجرائم الإرهاب بناء على هذا المبدأ.
عموما ومن واقع تحليل النتائج المتوصل إليها في هذا الموضوع يمكن الإقرار، بدون مبالغة ، أن الاجتهاد القضائي الاداري قد نجح ليس فقط في تحقيق التوازن بين الدولة وحقوق وحريات المواطنين فحسب، بل أيضا في تحقيقه لأرقى مراتب العدالة لصالح المواطنين بوجه عام، وتفسير ذلك أن الاجتهاد القضائي منح الفرد إمكانية مساءلة الدولة على الرغم من عدم وجود خطأ منها، وبالتالي إمكانية الحصول على تعويض يساعده في تجاوز الأضرار التي لحقته، وهذا كله يدخل في إطار المساواة أمام تحمل الأعباء العامة.











لائحة المراجع:
الكتب:
  • عبد القادر باينة، تطبيقات القضاء الإداري بالمغرب، دار توبقال للنشر الدار البيضاء.
  • محمود محمود مصطفى، حقوق المجني عليه في الفقه المقارن، الطبعة الأولى، بدون دار النشر.
  • نجاة خلدون، العمل الاداري، مطبعة الدعاية، الطبعة الاولى 2015.
  • مليكة الصروخ، القانون الاداري دراسة مقارنة، مطبعة النجاح الجديدة –الدار البيضاء-، الطبعة السابعة 2010.
  • القاضي حسين عبد اللطيف حمدان، الضمان الاجتماعي، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، 2007.
  • أحمد شوقي بنيوب، هيئة التحكيم المستقلة، المملكة المغربية، وزارة حقوق الانسان، مركز التوثيق والإعلام والتكوين في مجال حقوق الإنسان، الطبعة الأولى، 2004.
  • عبد الله حداد، تطبيقات الدعوى الإدارية في القانون المغربي،منشورات عكاظ، الرباط، الطبعة الثانية 1999.
الرسائل و الاطروحات:
  • يونس الشامخي، تطور اسس المسؤولية الادارية في ضوء الاجتهاد القضائي الاداري-دراسة مقارنة-، اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام و العلوم السياسية، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية –سلا-، السنة الجامعية 2014-2015.
  • يعقوب حياتي، تعويض الدولة للمجني عليه في جرائم الاشخاص، رسالة دكتوراه، جامعة الاسكندرية، السنة الجامعية 1977/1978.
  • حماد حمادي، المسؤولية الادارية، اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية اكدال، سنة 2013-2014.
المجلات:
  • محمد الأعرج، القانون الاداري المغربي، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، الطبعة الثالثة  2011.
  • المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 66-67، 2006
  • المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 72-73 يناير- أبريل 2007
  • المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 92، ماي-يونيو 2010
  • المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 74 مكرر، الطبعة الثالثة 2011
  • المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، عدد 99، سنة 2013
  • نشرة  قرارات محكمة النقض ، الغرفة الادارية، العدد 24، سنة 2015
  • مجلة قضاء المجلس الاعلى، الإصدار الرقمي، دجنبر 2000، العدد 1
المواقع الالكترونية:
www.maghress.com






حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-