أخر الاخبار

الطبيعة القانونية لسحب رخصة السياقة

الطبيعة القانونية لسحب رخصة السياقة

كتبها عبد الحكيم الحكماوي



تعتبر رخصة السياقة الوسيلة الوجيدة التي من خلالها يتمكن مالكو السيارات وسائقوها من استعمال مركباتهم ، و باتالي فإن أهميتها لا تخفى على أحد ، و تزداد خصوصيتها عندما يتعلق الأمر بالسائقين المهنيين الذين يعتمدون في قوت حياتهم وقوت أبنائهم على امتهان السياقة . و لذلك فإن التنظيم القانوني لرخصة السياقة كان من ضمن النقاط التي تجادل فيها الخصوم السياسيين قبل إقرار مدونة السير ، و تم التوافق فيها وفق الشكل الذي صدر بمدونة السير التي دخلت حيز التنفيذ بتاريخ الفاتح أكتوبر 2010 .

و منذ دخول مدونة السير حيز التنفيذ و التساؤل قائم لدى المنشغلين بميدان القانون و القضاء حول الطبيعة القانونية لقرار المحكمة بسحب رخصة السياقة هل هو عقوبة اصلية أم إضافية؟ و من المعلوم أ، الجواب على هذا التساؤل الإشكال سيعطي للقاضي المنهاج الذي يتعين اتباعه و هو بصدد البت في رخصة السايقة المحالة عليه .

إن الحديث عن الطبيعة القانونية لسحب رخصة السياقة ، يتعين أن ينطلق من القواعد العامة التي تحكم قواعد العقاب في القانون الجنائي ؛ ذلك أنه إذا ما تقرر أن سحب رخصة السايقة عقوبة إضافية فإن المحكمة لا تكون محقة في النزول عن المدة القانونية المحددة بموجب المدونة ، أما إذا اعتبرت تلك العقوبة أصلية فإن المحكمة تكون في حل من أمرها هل تبقي مدة السحب في نطاق ما قرره المشرع أم تنزل عن ذلك بحسب ما تتوفر لها من ظروف تخفيف .


لكن الأمر ليس بهذه السهولة إذ أن رجل القانون و القاضي و هو بصدد تحديد الطبيعة القانونية للحكم بسحب رخصة السياقة يتعين أن يتقيد بالمبدأ الكوني المتمثل في مبدأ الشرعية، إذ أن كل ما يتعلق بالتجريم و العقاب إنما يتعين أن ينضبط لمبدأ النصية ،و بالتالي فإن مسألة تكييف سحب رخصة السياقة هي مسألة قانون تخضع للرقابة البعدية و القانونية لمحكمة النقض .


و من هذا المنطلق يتعين استقراء القواعد المنظمة لسحب رخصة السياقة سواء تلك الواردة بمدونة السير أو ما جاء من قواعد منظمة للعقاب في القانون الجنائي على ضوء مبدأ الشرعية الذي يحظر أي توسع في تفسير القاعدة الجنائية متى تعلقت بالتجريم أو العقاب .


و هكذا يتعين علينا استحضار مقتضيات الفصول 146 و 149 و 150 من القانون الجنائي ، إذ إذا كان الفصل 146 يتحدث عن المعايير العامة التي تعطي للقاضي سلطة تمتيع المتهم بظروف التخفيف فإن تلك المعايير جاءت عامة و مجردة أي أنها تنطبق على جميع العقوبات سواء أتعلقت بالجنايات أو الجنح أو المخالفات ، و لذلك فقد عمل نفس المشرع على التفصيل في مقتضيات إعمال سلطة التخفيف في العقوبة في الفصول الموالية و على راسها الفصلين 149 و 150 من القانون الجنائي الذي تحدث فيهما المشرع عن العقوبيتين المتمثلتين في العقوبة الحبسية أو المالية دون غيرهما .

إذ أن المشرع المغربي حدد نوع العقوبات التي يتعين على القاضي إعمال قواعد التخفيف فيهما ، و هما العقوبة المالية و الحبسية دون غيرها ، و إذا ما قلنا بأن سحب رخصة السياقة عقوبة أصلية فإنها حتما ستدخل في نطاق مقتضيات الفصو لالمذكورة ، لكن ذلك سيكون مخالفا لمبدأ الشرعية ، من أجل ذلك يمكن القول بأن سحب رخصة السياقة ليست عقوبة أصلية وفق مقتضيات القانون الجنائي في دلالاته العامة . فهل يبقى القول بأنها عقوبة إضافية ؟

بالعودة إلى نفس المقتضيات اي مقتضيات القانون الجنائي ، و بالنظر فيما يتعلق بالعقوبات الإضافية لا نجد ذكرا لعقوبة سحب الرخصة ، و كما لا يمكن القول بأن القاضي يملك حق غضافة عقوبة غضافية زيادة على ما حدده المشرع سلفا

فالقول بأن سحب رخصة السياقة عقوبة إضافية يعني أننا خرقنا مبدأ الشرعية الذي يشكل العمود الفقري للمنظومة الجنائية ، و أما القول بأن القاضي يملك حق إضافة عقوبة سحب رخصة السياقة على أساس أنها عقوبة إضافية ، فهذا مجانب للصواب و ضرب لمبدأ التفسير الضيق للقاعدة الجنائية .

و ما يؤيد هذا الطرح هو أن مشرع المدونة نفسه لم يشر إلى سحب رخصة الساقة على اعتبار أنها عقوبة إضافية ، في الوقت الذي تحدث عن العقوبات الإضافية ف ينفس الفصل القانوني من المدونة ، و لو كانت نيته بالفعل تتجه إلى اعتبارها عقوبة إضافية لفعل .


و اعتبارا لكل ما ذكر فإن الطبيعة القانونية لسحب رخصة السياقة كعقوبة تجعلنا نقرر بأنه لا يمكن اعتبارها لا أصلية و لا تبعية ، و بالتالي فلا يمكن أن تطبق عليها أحكام العقوبات الأصلية كما لا يمكن أن تطبق عليها أحكام العقوبات الإضافية . ويبقى القول بأن سحب رخصة الساقة هي عقوبة من نوع خاص تنضبط للطبيعة القانونية الخاصة التي انطبعت بها مجموعة من أحكام مدةونة السير و التي شذ فيها المشرع عن القواعد العامة المعمول بها في التشريع الجنائي العادي ؛ مما يؤسس لعدم إمكانية القول بالالتجاء لما نص عليه المشرع في القانون الجنائي من أحكام و تطبيقها على عقوبة سحب رخصة السياقة .


و من كل ذلك نستنتج أن القضاي و هو بصدد النظر في مآل رخصة السايقة يتعين عليه التقيد بما جاء بمدونة السير دون إخضاع ذلك السحب لا إلى أحكام العقوبات الأصلية و لا التبعية ، و من أجل ذلك لا يكون عليه إلى احترام الشروط الموضوعة بالفصول المعنية لتنفيذ العقوبة من غير نزل عن الحد الأدنى و لا زيادة عن الحد الأقصى و ذلك امتثالا لمبدأ الشرعية الذي يعبر عن الإرادة الحقيقة للمشرع .

منقول للفائدة



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-