مسطرة التبليغ الزجري
كــــــمــــال الـــــعـــابـــــد
طالب باحث بماستر العلوم الجنائية والحكامة الأمنية
بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بابن زهر
تقديم:
لتحقيق العدل و المساواة في الشرائع السماوية، جعل الله سبحانه و تعالى وظيفة الأنبياء و الرسل السهر على تبليغ الرسائل السماوية و دلك من خلال إحقاق الحق و العدل بين الناس، ونظرا لما لمؤسسة التبليغ من أهمية، فإن القران الكريم أكَد على ضرورة تبليغ أحكام الشرائع السماوية، و اختار أنبياءه و رسله من خيرة البشر للقيام بهده المهمة، ووعد بعدم محاسبة خلقه و عباده إلا بعد تبليغهم، قال الله تعالى في سورة الإسراء[1]‘’ من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه و من ضل فإنما يضل عليها و لا تزر وزارة وزر أخرى و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا’’،و دلك لكي يتحقق العلم بالأحكام المراد إتباعها كي لا تبقى للناس حجة بعد التبليغ و الإعلام . وهدا ما أكده سبحانه وتعالى في سورة النساء لما قال ‘’ رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ‘’[2].
وإدا كان مناط المحاسبة في القانون الإلهي هو إبلاغ الأحكام الشرعية والرسالة للناسفهو كذلك بالنسبة للقوانين الوضعية التي تسري على الخاضعين لها إلا بعد نشرها ليتحقق العلم بها.
وحرصا على حقوق الأفراد وحمایتھا، اوجد المشرع تقنيةالتبليغ الزجريكوسيلةشكلية لخدمة المتقاضين عند لجوئهم إلى القضاء، لما لها من أهمية قصوى في تجهيز الملفات والإسراع بالبت فيها، بحيث ادا لم يتم تبليغ الاستدعاء لا يمكن للقضاء ان يقول كلمته،وادا لم يقع تبليغ القرارات والاحكام لا يمكن للأطراف ان تطلعها لاستعمال حق الطعن الذي ينص عليه القانون.
ویعتبر التبليغ القضائي عموما وعلى وجه الخصوص–التبليغ الزجري أو الجنائي-بمثابة عملية قانونية بین المبلغ إلیه ومصلحة التبليغ، وكذلك بین الخصوم. أما تبليغ الاستدعاءاتفھو إعلان قانوني عن بدایة الخصومة الجنائية وبصفة عامة عبارة عن إجراء مسطري جنائي محدد زمنیا ویتشكل فعلیا في إیصال واقعة إلى علم المبلغ إلیه. أما تبلیغ الحكم أو القرار الجنائي الذي صدر في الدعوى فھو إعلام المحكوم علیه بصدور الحكم في حقه إما لینفذه طوعا أو لیتیح فیه سبل الطعن المتاحة العادیة أو الغیر العادیة.
وعليه، فان عملية التبليغ الزجري تعد إجراء قانوني محدد زمنيا يعطي للمحكوم له فرصة الحصول على حقه وللمحكوم عليه فرصة الدفاع عن هدا الحق[3]، ادن فالمقصود بإجراءات او مسطرة التبليغ الزجري؟ وما مدى تأثير هدا التبليغ على سلامة سير الإجراءات المسطرية؟
لهدا سنحاول في ھذا العمل أن نلامس مختلف جوانب عملیة التبلیغ الزجري نظرا لقانونيته ولارتباطه بحقوق الدفاع والمحاكمة العادلة وكدا لخضوعه لرقابة محكمة النقض، ودلك من خلال الحدیث عن ماهيةالتبلیغ الجنائي بتعریفه وبیان شكلياته، وكذلك خصوصياته في مطلب أول، قبل أن نتحدث في المطلب الثاني عن طرق التبليغ الجنائي ومدى أثاره على سلامة سیر الإجراءات المسطریة، مع تعزيز دلك باهم الاحكام والقرارات القضائية الصادرة في مادة التبليغ الزجري.
المطلب الأول: ماهية التبليغ الزجري:
ان عملیة التبلیغ تعتبر من أھم الإجراءات التي تصاحب النزاع منذ بدایته إلى غایة البث النھائي فیه، وبالتالي تعتبر القاطرة الوحیدة لتبلیغ وإیصال الإجراءات وتھیئ الملفات وھو أحد العناصر المساھمة في تحقیق مبدأ الدفاع، وانطلاقا من ھذه الأھمیة سوف نحاول الإحاطة بعملیة التبلیغ انطلاقا من تعریفه وبیان شكلياتهوتمييزه عن التبليغ المدني في (الفقرة الأولى)، قبل أن نتطرق في (الفقرة الثانية) إلى طرق وكیفیة القیام به ومدى اثاره على سلامة سير الإجراءات المسطرية.
الفقرة الأولى: مفهوم التبليغ الزجري وشكلياته:
أولا:مفهوم التبليغ الزجري
يقصد بالتبليغ لغة: بلغ الشيء، يبلغ، بلوغا وبلاغا، وصل وانتهى، وأبلغه تبليغا، وتبلغ بالشيء أي: وصل إلى مراده بمعنى الإيصال وهو اسم يقوم مقام التبليغ.
أما في الاصطلاح: فلم يعرف المشرع المغربي التبليغ كإجراء من إجراءات الدعوى، وقد أحسن صنعا إذ التعريف. من اختصاص الفقه والقضاء.
فلقد عرفه بعض المهتمين[4] بان التبليغ هوإيصال أمر أو واقعة ثابتة إلى علم شخص معين على يد أحد أعوان كتابة الضبط، أو أحد المفوضين القضائيين أو عن طريق كاتبه المحلف، أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، أو بالطريقة الإدارية أو عن طريق الأعوان الدبلوماسيين والقنصليين أو عن طريق من أسند لهم القانون، دلك والهدف من ذلك هو ضمان علم المبلغ إليه بالأمر المراد تبليغه.
ويعتبره بعض الفقه المصري أنه قيام شخص حدده القانون بتسليم ورقة معينة حددها أيضا القانون لخصم المدعي لكفالة علمه بالمضمون.
كما أكد نفس الفقه على أن الإعلان القضائي هو وسيلة شكلية يضعها القانون تحت تصرف الأشخاص، لاستخدامها، عندما يرغبون في الالتجاء إلى القضاء بهدف حماية حقوقهم[5].
و فريق أخر بين أنه الوسيلة الرئيسية التي رسمها المشرع لتمكين الطرف الآخر من العلم بإجراء معين، فهو يرمي إلى إيصال واقعة معينة إلى علم المبلغ إليه إعمالا لمبدأ المواجهة.
و من جهتنا فإن التبليغ هو إجراء مسطري نظمه المشرع المغربي و حدد الطرق القانونية الكفيلة للقيام به، لتمكين أطراف الدعوى من العلم بكل ما وجه ضدهم من خصومهم احتراما للحق في الدفاع و المواجهة، حيث لا يكفي لرفع الدعوى او الشكاية من المدعي او المشتكي مجرد و ضع مقال افتتاحي او شكاية بكتابة الضبط للمحكمة بل يجب اتخاذ عمل جديد يؤدي إلى علمه بها و هدا العمل هو تبليغه بها، فالتبليغ به تبدأ المنازعة، و منه فإن التبليغ يهدف إلى إيصال واقعة معينة معروضة على القضاء إلى علم شخص معين ، أما الواقعة غير المعروضة على القضاء فلا تدخل في إطار التبليغ القضائي كما أن هدا الأخير يعد إجراء قانوني متفرع من مبدأين أساسين هما مبدأ المواجهة و مبدأ حق الدفاع[6] و يتضمن مجموعة من العناصر الموضوعية و الشكلية.
وبالعودة إلى نصوص القانون وخاصةقانوني المسطرة المدنیة والجنائية نجد ان المشرع المغربي لم یقدم أي تعریف قانونيللتبليغ بل اكتفى بذكر الإجراءات الواجب اتباعها سواء من حیث الجھات المكلفة بالتبلیغ أو الأوراق والشكلیات الأخرى الملازمة لعملیة التبلیغ، ومع ذلك فإنه من المناسب إعطاء تعريف للتبليغ الزجري لبيان الهدف منه ويمكن ذكر التعريف الآتي:
التبليغ الزجري هو” إيصال أمر أو واقعة جنائية ثابتة إلى علم شخص معين على يد أحد أعوان كتابة الضبط، أو أحد المفوضين القضائيين، أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، أو بالطريقة الإدارية والهدف من ذلك هو ضمان علم المبلغ إليه بالأمر المراد تبليغه “.
ومن خلال هذا التعريف تكمن أهمية التبليغ في عدم جواز احتجاج المبلغ بجهله لما تم تبليغه به حتى أن بعض الفقه اعتبر حجية التبليغ كحجية نشر التشريع بالجريدة الرسمية إذ لا يجوز الاعتذار بجهل ما تم التبليغ به قياسا على قاعدة عدم جواز الاعتذار بجهل القانون[7].
ثانيا: شكليات التبليغ الزجري:
يعتبر طي التبليغ الصورة المادية للتبليغ القضائي، فهو يحتوي على وثيقة التبليغ و إلى جانبه شهادة التسليم التي ترفق بالطي لإثبات و قوع هدا التبليغ، فإعداد الصورة المادية للتبليغ مناط بموظفي كتابة الضبط بالمحاكم، و أن أغلبية الوثائق التي تشكل الصورة المادية للتبليغ عبارة عن مطبوعات لوزارة العدل تحتوي على مجموعة من البيانات تملأ حسب كل ملف حسب الشكلية القانونية المراد منها إثبات قوتها الثبوتية
ولقد حددت المادة 308 من قانون المسطرة الجنائية هده البيانات الجوهرية التي يجب توفرها في الاستدعاء وهي اليوم والساعة ومحل انعقاد الجلسة ونوع الجريمة وتاريخ محل ارتكابها والمواد القانونية المطبقة بشانها وقد رتب المشرع البطلان عند تخلف هده البيانات وهي كالأتي :
1) الأسماء العائلية والشخصية ومهنة وموطن إقامة الطرفين.
فلهذا البيان أهمية قصوى في تحديد الاختصاص المكاني، فضلا عن أنه يحدد آجال التبليغ إذ تختلف الأجال بحسب وجود موطن المبلغ إليه في المغرب أو في الخارج، إلى جانب ذلك يساعد البيان المذكور الطرف المشتكي او المطالب بالحق المدني على معرفة خصمه الذي رفع الدعوى او الشكاية ضده، وغير خاف أن لمعرفة الخصم في النزاع أهمية بالغة، إذ تجعل المتهم او المشتبه فيه مستعدا للرد على إدعاءات المشتكي بالوقائع والقانون على حد سواء.
2)نوع الجريمة:
وهذه الشكلية في أهميتها لا تقل عن البيان السابق، إذ بمقتضاها يتوصل الطرف المبلـغ ـ إلى طبيعة النزاع او الجريمة الذي أصبح طرفا فيه، هل هو مدني أم جنائي،وكل هذا ذو أهمية خاصة يساهم في تأهب واستعداد المتهم لإعداد الدفاع عن نفسه.
3 )محل انعقاد الجلسة او المحكمة التي يجب أن تبث في النزاع:
وتكمن خصوصية هذا النزاع في الحيلولة دون معاناة المتقاضين من مشاكل الاختصاص، فبيان المحكمة المختصة يجعل من السهل على الطرف المبلغ اللجوء إلى المحكمة التي عليه أن يمثل أمامها دفاعا عن حقوقه ومصالحه دون مشقة أو عناء.
4) يوم وساعة الحضور.
5)تاريخ محل ارتكابها والمواد القانونية المطبقة بشانها:
وهذه شكلية ترمي إلى الحد من مزاعم بعض الأفراد وادعاءاتهم بعدم توصلهم بالتبليغ لعدم توفرهم على موطن أو محل إقامة يراسلون ويبلغون فيه.
الفقرة الثانية: مميزات التبليغ الزجري:
بالعودة إلى نصوص قانون المسطرة الجنائیة المغربي في صیغته المحینة بتاریخ 27 اكتوبر2011 سواء في المواد 247او308 نجدھما تنص على أنه یتم التبلیغ وفق الفصول 37و38و39 من قانون المسطرة المدنیة، في حین تنص المادة 325 من قانون المسطرة الجنائية على أنه یتعین على كل شخص استدعي بصفته شاھد أن یحضر ویؤدي الیمین عند الإقتضاء ثم یؤدي شھادته، یستدعى الشاھد تلقائیا من طرف المحكمة أو بناءا على في حین نجد أن المادة 377 تحیل على 26 طلب النیابة العامة أو الطرف المدني…، المادة325 بشأن تبلیغ السندات القابلة للتنفیذ في المخالفات، وتجري نفس المسطرة إلا أن 27 المقررة في قانون المسطرة المدنیة بشأن أجل الطعن وإجراءات التنفیذ، التبلیغ في القضایا الجنائیة له بعض الخصوصیة.
أولا: شخصیة التبلیغ:
ونستشف ھذا المقتضى من الفقرة الأخیرة من المادة 394 من ق م ج:”…غیر أنه فیما یتعلق بالدعوى العمومیة فإذا لم یتم التبلیغ إلى المتھم شخصیا ولم یتبین من أي وثیقة من وثائق التنفیذ أن ھذا الأخیر على الحكم الزجري الصادر في حقھ، فإن تعرضه على الحكم یبقى مقبولا، وھو نفس المقتضى نجده في المادة 400 من ق م ج بشأن سریان أجل الإستئناف، ویسري ھذا الأجل من یوم التبلیغ للشخص نفسه أو في موطنه
ثانیا: خصوصیة تبلیغ المسطرة الغیابیة في غرفة الجنایات:
– انظر المادة325 من ق م 26 27 – انظر المواد من 377 إلى 380 من ق م. 42
بالعودة إلى نصوص المواد 444 و445 وق م ج وما یلیه نجدھا تنص على طرق خاصة للتبلیغ من قبیل:
تعلیق الأمر بسلوك المسطرة الغیابیة بباب آخر مسكن للمتھم
في حالة عدم معرفة ھذا المسكن إرسال نسخة إلى مدیر الأملاك المخزنیة.
إیداع ھذه المسطرة ثلاث مرات مدة ثمانیة أیام عن طریق الإذاعة الوطنیة28 كأخر إجراء لتبلیغ المتھم
في حین نصت المادة 450 ق م ج، على انه ینشر في أقرب أجل بالجریدة الرسمیة یسعى من النیابة العامة ملخص القرار الصادر بناءا على المسطرة الغیابیة، كما یعلق علاوة على ذلك ویبلغ لإدارة الأملاك المخزنیة طبقا للمادة444 أعلاه..)
المطلب الثاني: طرق وكيفية التبليغ وأثاره:
الفقرة الأولى: طرق التبليغ الزجري:
نظم المشرع طرق التبليغ في الفصول 37 و38 و39، من قانون المسطرة المدنية فنص في الفصل 37 المعدل بتاريخ 03 فبراير 2004 على أنه : ” يوجه الاستدعاء بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط، أو أحد الأعوان القضائيين عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتواصل أو بالطريقة الإدارية وإذ كان المرسل إليه يسكن خارج المغرب يوجه الاستدعاء بواسطة السلم الإداري على الطريقة الديبلوماسية عدا إذا كانت مقتضيات الإتفاقية الدولية تقضي بغير ذلك.
ونص الفصل 38 على أنه:يسلم الاستدعاء تسليما صحيحا إلى الشخص نفسه أو في موطنه إلى أقاربه أو خدمه أو لكل شخص آخر يسكن معه، يعتبر الإقامة موطنا بالنسبة لمن لا موطن له بالمغرب، يجب أن يسلم الاستدعاء في غلاف مختوم لا يحمل إلا الاسم الشخصي والعائلي وعنوان وسكنى الطرف وتاريخ التبليغ متبوعا بتوقيع العون وطابع المحكمة ” .
أما الفصل 39 فقد جاء في بعض فقرائه:
” إذا تعذر على عون كتابة الضبط أو السلطة الإدارية تسليم الاستدعاء لعدم العثور على الطرف أو على أي شخص في موطنه أو محل إقامته أشار إلى ذلك في الشهادة التي ترجع إلى كتابة ضبط المحكمة المعنية بالأمر توجه حينئذ كتابة الضبط الاستدعاء بالبريد المضمون مع الإشعار بالتوصل
…….يعتبر الاستدعاء مسلما تسليما صحيحا في اليوم العاشر الموالي للرفض الصادر من الطرف والشخص الذي له الصفة في تسلم الاستدعاء.”
من خلال هذه المقتضيات يمكن استخراج الطرق التي يتم بها التبليغ واستنتاج أهم الأشكالية التي تثيرها على صعيد الواقع العملي، وهذا ما سنعرض له على التو:
اولا: التبليغ عن طريق أعوان كتابة الضبط:
يعتبر التبليغ بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط الوسيلة الأولى التي ركز عليها الفصل 37 المذكور، ويعد ذلك بديهيا إذا علمنا أن هؤلاء الأعوان تابعون لكتابة الضبط بالمحكمة المعروضة عليها القضية في الغالب، فضلا عن أنهم ينتمون إلى قسم التبليغات وهذا ما يؤهلهم أكثر لمباشرة هذه المهمة المحفوفة بالمشاكل والصعوبات[8].
على أنه يتعين الإشارة إلى أن هذه الطريقة تثير كثيرا من المشاكل أهمها البطء وعدم كفاءة الأعوان المكلفين بالتبليغ، إذ لا يقومون في الغالب الأعم بملء شواهد التسليم بالطريقة القانونيةاللازمة، الأمر الذي يجعل كثيرا من التبليغات تتعرض للبطلان.
ثانيا: التبليغ عن طريق المفوضين القضائيين:
حل المفوضين القضائيين محل الأعوان القضائيين في القيام بمهمة التبليغ. وينظم مهنة المفوضين القضائيين القانون18 رقم 81.03[9]، ويحدد الفصل 15 من هذا القانون اختصاصاته من بينها عمليات التبليغ وتسليم استدعاءات التقاضي ضمن الشروط المقررة في ق.م.م.
كما يمكن لهم أن يلحقوا بمكاتبهم واحد أو أكثر من الكتاب المحلفين، وتكون لهم نفس الصلاحيات لنيابة عنهم في الإجراءات المتعلق بالتبليغ بعد استيفاء الشروط وإجراءات الإلحاق بالمهنة طبقا للمادة 41 من القانون المشار إليه أعلاه 20 وبعد أن يكون المشرع قد وسع دائرة طرق التبليغ، هذا إضافة إلى المهام الأخرى المنوطة بالمفوض القضائي والتي، لا تخلو من تبليغات عند تنفيذ الأحكام مثلا.
والواقع أنه منذ صدور القانون رقم 81.03 المنظم للمفوضين القضائيين فإن هذه المؤسسة خلقت دينامية جديدة في نجاعة التبليغات، خصوصا وأنها مهنة حرة، رغم أن التجربة قد أفرزت بعض الانفلاتات مما جعل وزارة العدل تتحكم في وصايتها على هذه المرافق، هذا علما أن المرشحين لمهنة المفوض القضائي بعد أن تتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها في القانون 81.30 وبعد النجاح في الامتحان يرخص لهم بقرار من وزير العد،
والمفوض القضائي يعمل تحت مراقبة رئيس المحكمة، ولابد من الإشارة إلى أن المفوضين القضائيين يقومون بمهامهم شخصيا، حيث لا يمكنهم أن يوكلوها لغيرهم باستثناء ما نص عليه الفصل 41 من القانون رقم 81.03 الذي يجيز لهم في حدود معينة إنابة الكتاب المحلفين ، كما لا يمكنهم القيام بالتبليغات إذا كانت محددة قانونا بطرق أخرى كالتبليغ بواسطة البريد مضمون مع الإشعار بالتوصل مثلا. فلضبط مآل التبليغات فإن المفوض القضائي ملزم بإنجاز التبليغات والمحاضر في ثلاثة أصول تسلم الأولى للمعني بالأمر، وتودع الثانية بملف المحكمة ويحتفظ بالأخيرة كحجة إثباتيه تفيد القيام بمهمته، حيث تضاف إلى الوثائق التي يحتفظ بها ليودعها بعد ذلك بكتابة الضبط بعد مرور خمس سنوات من انتهاء الإجراءات مقابل إيصال يسلم من رئيس كتابة الضبط من اجل إثبات التسليم.
ثالثا:التبليغ عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل:
تعد هذه الطريقة الوسيلة الثانية التي نص المشرع على سلوكها في حالة عدم الاستدعاء بواسطة الأعوان المكلفين بالتبليغ، بل إنما تعد الوسيلة الأنجع في التبليغ[10] إذا ما رجعنا إلى الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 39 فقد جاء فيهما ما يلي:
“إذا تعذر على عون كتابة الضبط أو السلطة الإدارية تسليم الاستدعاء لعدم العثور على الطرف أوعلى أي شخص في موطنه أو محل إقامته أشار إلى ذلك في الشهادة التي ترجع إلى كتابة ضبط المحكمة المعنية بالأمر. توجه حينئذ كتابة الضبط الاستدعاء بالبريد المضمون مع الإشعار بالتوصل”.
والدليل على نجاعة التبليغ بالبريد المضمون مع الإشعار بالتوصل أن المشرع اعتبر الاستدعاء الذي رفض الطرف أو الشخص الذي له الصفة في تسلمه، مسلما تسليما صحيحا ابتداءا من اليوم العاشر الموالي للرفض ومع ذلك لا مناص من تسجيل ملاحظة مفادها أن إشكالات هذا النوع من التبليغ لا تقل عما سبق ذكره، إذ في كثير من الأحيان يتم إرجاع الطي بملاحظة غير مطلوب أو بملاحظة تعني الرفض، هذا إلى جانب أنه يمكن العديد من الأشخاص المعنيين بالتبليغ من التملص والتحلل من آثاره بدعوى أن الظرف الذي تم التوصل به كان فارغا.
وترجع الصعوبة بالنسبة لعبارة أو ملاحظة غير مطلوب إلى تكييفها، فهل يقصد بها رفض التسلم أم مجرد ملاحظة لا تفيد الرفض المذكور، وغني عن البيان أن اعتبارها رفضا للتسلم سيؤدي إلى نتائج قد تضر بمصالح المتقاضي-المبلغ إليه- إذ سيكون التبليغ صحيحا في حقه بعد مرور عشرة أيام من رفض التسلم. وقد سار المجلس الأعلى ممثلا في الغرفة المدنية باعتبار عبارة غير مطلوب بمثابة رفض (قرار 7-12-1965) وذلك قبل أن يعدل عن موقفه، حيث لم يعتبر عدم المطالبة بالرسالة المضمونة رفضا (قرار 27-03-1974). وفي اعتقادنا لا يمكن تكييف العبارات المذكورة بمثابة رفض بالنظر إلى خطورة نتائج ذلك على حقوق المتقاضين.
رابعا:التبليغ بواسطة القيم او الوكيل:
يتم تعيين القيم او الوكيل لتبليغ الاستدعاء في الأحوال التي يكون فيها موطن أو محل إقامة الطرف غير معروف[11]، ويعين القيم من بين أعوان كتابة الضبط، وإن كان في نظرنا أنه يجوز تعيين هذا الأخير من بين الأعوان القضائيين ما دام هؤلاء مختصون بالتبليغ لذلك. وتكمن مهمة القيم او الوكيل في البحث عن الطرق، وتقديم المعلومات والمستندات المفيدة للدفاع عنه ويساعد القيم في مهمته النيابة العامة والسلطات الإدارية.
وفي حالة ما إذا عرف موطن أو محل إقامة الطرف الذي لم يكن موطنه معروفا، يخبر القيم القاضي بذلك، ويخطر إضافة إلى ذلك المعني بحالة المسطرة والمراحل التي بلغتها، وذلك في سبيل رفع النيابة التي كان يقوم بها القيم لفائدة الطرف ذي الموطن المجهول. ولتعيين القيم وقيامه بالتبليغ أهمية قصوى بالنسبة لسريان آجال الاستئناف أو النقض بالنسبة للأحكام والقرارات المبلغة إلى هذا الأخير، إذ لا تسري إلا بعد تعليقها في لوحة معدة لهذا الغرض بالمحكمة.
خامسا:التبليغ بالطريقة الإدارية:
لا شك أن للسلطات الإدارية دورا مهما في القيام بالتبليغ، ذلك أن التبليغ بالقرى والبوادي والمناطق النائية يرتكز بالأساس على أعوان السلطة (المقدم، الشيخ)[12]، بل إن لهؤلاء أهمية كبرى حتى في التبليغ في المجال الحضري.
غير أن هذا الدور سرعان ما يرتب العديد من الإشكالات خاصة بالنسبة لشهادات التسليم التي لا تملأ بالطريقة والدقة اللتين يتطلبهما القانون، إذ غالبا ما تكون التبليغات التي يقوم بها أعوان السلطة محل طعون وشكوك. وترجع هذه الإشكالات إلى عدة أسباب منها غلبة الأمية على الشيخ والمقدمين وكثرة المهام التي يقومون بها إلى جانب التبليغ وعدم الإلمام بالقواعد القانونية المنظمة للتبليغات، وعدم الإحاطة والتنبؤ بالنتائج السلبية التي تترتب على التبليغ الذي لم تحترم فيه الشكليات القانونية المتطلبة، ومن هذه الأسباب كذلك عدم التنسيق بين السلطات القضائية والسلطات الإدارية، فضلا عن اختلاف التقطيع القضائي حيث تكون بعض المناطق تابعة إداريا لمقاطعة أو قيادة معينة في الوقت الذي تكون فيه تابعة قضائيا لمحكمة لا تدخل في دائرتها القضائية هذه المنطقة، فتبعث التبليغات في غالب الأحيان إلى مقاطعات أو قيادات لا يوجد فيها موطن أو محل إقامة المبلغ إليه.
سادسا:التبليغ بالطريقة الدبلوماسية.
يعد التبليغ بالطريقة الدبلوماسية من الطرق الهامة التي تساعد على إيصال الإستدعاءات إلى المعنيين بالأمر المقيمين خارج تراب المملكة، ويساهم هذا النوع من التبليغ في تمكين المغاربة المقيمين بالخارج بوجه خاص من الإحاطة بالإجراءات والدعاوى والأحكام التي تهمهم والتي تباشر في وطنهم[13].
وتعد السلطات الدبلوماسية (وزارة الخارجية والسفارات والقنصليات) الجهات الرئيسية في القيام بهذا النوع من التبليغات، ومع أهمية هذه الطريقة فإن لها العديد من السلبيات منها البطء وطول الإجراءات وتعقيد المساطر. بالنظر أولا إلى الآجال الطويلة والإضافية التي يضعها المشرع استثناءا لمن يوجد موطنه خارج المغرب (الفصل 41 من ق.م.م والفصل 309 من ق.م.ج)، وبالنظر ثانيا إلى تعقيد المسطرة وصعوبة سلوكها، إذ غالبا ما يتطلب التبليغ بالطريقة الدبلوماسية شهورا عديدة، خاصة وأن المبلغ إليه قد يعمد كل مرة إلى تغيير عنوانه أو موطنه تحاشيا لكل ما قد يصدر ضده من أحكام أو ما قد يتخذ ضده من إجراءات.
سابعا: التبلیغ الالكتروني:
لتفعیل مسطرة التبلیغ القضائي الالكتروني في إطار مسلسل التحدیث الذي یسعى الجمیع إلى العمل على ترجمة العدید من الأفكار و التصورات على ارض الواقع, و بما أن مسالة التحدیث أصبحت مرتبطة بعالم التكنولوجیا
و المعلومیات, و نظرا لما عرفته الدول الصناعیة المتقدمة من سبق في ھذا المیدان جاء نتیجة لتعمیم المعلومیات و التواصل عبر شبكة الانترنیت, و بما أن الأمر لا یتوقف على الجانب العملي كما یعتقد البعض, بل لا بد من التفكیر في الجانب القانوني و تدخل المشرع, طبعا لإضفاء طابع الشرعیة على التبلیغ الالكتروني, و ذلك باعتباره من طرق التبلیغ القانونیة إلى جانب الطرق السابق شرحھا و محاولة تحلیلھا. وتدخل المشرع في ھذا الباب قد یحقق عدة فوائد ومنھا حمایة المعلومات المتعلقة بالأشخاص المبلغ إلیھم، وذلك بالتمییز بین ما ھو شخصي وما ھو عام، ومن حق المواطنین الاطلاع علیه، ولا یمكن تحقیق ذلك إلا من خلال التراكمات المعرفیة و العلمیة و منھا مثلا العمل على معالجة موضوع التوقیع الالكتروني من الناحیة التقنیة و القانونیة، لأنه بدون ذلك لا یمكن أن نتصور نجاح عملیة التبلیغ بواسطة الوسائل التكنولوجیة، كما تجدر الإشارة إلى أن تبادل الوثائق والرسائل بواسطة الشبكات الالكترونیة وعبر الانترنیت، قد اثبت نجاعته وفعالیته في ھذا العصر الذي أصبح عصر المعلومیات بامتیاز، نظرا لسھولة وسرعة تداول المعلومات بالإضافة إلى ضمان الأمن والضبط، وھذا الأمر لا یخص التبلیغ القضائي فقط بل أصبح یشمل جمیع الأنشطة التجاریة و المدنیة و الضریبیة و غیرها، لكن موضوع إثبات التوصل أو التسلیم بواسطة التوقیع الالكتروني، لا بد لتحقیقه من الاعتراف القانوني التبلیغ الالكتروني، ومن الطرق المستعملة أو المعمول بھا غالبا التوقیع بواسطة الرموز التي توجه عبر الوسائل والطرق الالكترونیة ولا یمكن أن یباشر ذلك إلا عبر المفتاح الخاص الذي لا یعرفه إلا المعني بالأمر ،و المفتاح العام الذي یعرفه باقي المستعملین لتوجیه الرسائل و الوثائق الرقمیة.
الفقرة الثانية: أثار التبليغ الزجري:
إن التبليغ القضائي الذي تم وفقا للقواعد القانونية سواء المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية باعتباره الشريعة العامة للإجراءات، أو في قانون المسطرة الجنائية او في القواعد الخاصة التي تضمنتها قوانين خاصة يرتب جميع أثاره، وذلك من قبيل سريان آجال الطعن والاستئناف أو بالنقص أو بغيره حسب ظروف كل قضية، ويترتب عنه أيضا وصف الحكم سواء بالحضوري أو الغيابي أو بمثابة حضوري حسب مدى استجابة الأطراف للاستدعاء الموجه إليهم لحضور الجلسات. كما أن التبليغ الصحيح يترتب عنه قطع التقادم سواء باعتباره مطالبة قضائية أو غير قضائية، كما يترتب عنه فتح مسطرة التنفيذوالسير بها إلى نهايتها، وبالمقابل فإن تبليغ أية وثيقة قضائية بشكل غير قانوني يجعل التبليغ باطلا في غالب الأحيان ولا يرتب آثاره القانونية المذكورة،إذن أين تتجلى أسباب وحالات بطلان التبليغ القضائي الزجري؟ وما مدى تأثیره على سیر الإجراءات المسطرية ؟
اولا: من حيث بطلان الاستدعاء:
ان القوانين الإجرائية تفرض شكليات معينة تحقق الحماية القانونية لأصحاب هذه الحقوق, وإذا تمت مخالفتها فإن العمل الإجرائي المخالف يصبح غير فعال ويفقد آثاره القانونية وصوما يعبر عنه ببطلان العمل الإجرائي[14] وتمثل هذه الإجراءات من أهم الضمانات للمتقاضين, حيث يلزم بها القاضي والمتقاضي, مما يترتب على ذلك ثقة صاحب الحق في الحصول عليه بطريقة آمنة وعادلة مما يشيع الأمن والسلام في المجتمع، والبطلان هو الجزء الأكثر شيوعا للمخالفات التي يمكن أن تلحق العمل الإجرائي, فهو جزاء مقرر لمواجهة مخالفة الشكليات التي حددها المشرع سواء بصدد تحرير الوثائق الإجرائية، كوثائق التبليغ من استدعاءات و شواهد التسليم… وترجع أسباب البطلان بصفة عامة إلى مخالفة مقتضيات سواء الموضوعية أو شكلية الإجراءات، والمشرع المغربي لم يتناول سوى البطلان الشكلي أو المسطري طبقا للفصل 310 من ق.م.ج في حين التشريع المصري تناول البطلان الموضوعي الذي يعد جزاء على تخلف ركن من أركان العقد في قانون الالتزامات و العقود، والتشريع الفرنسي بين العيوب الموضوعية في الإجراء vice de fond والعيوب الشكلية فيه vice de forme وهذا ما أشارت إليه المادة : 117121 و المادة 114 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي و التي تناولت العيوب الشكلية والتي تدور حول عدم احترام قواعد التبليغ، واختلاف تاريخ التبليغ بين الورقة الأصلية والصورة المرسلة للمرسل إليه والقائمة على مبدأين: لا بطلان بدون نص* و* لا بطلان بدون ضرر*
ثانيا :من حيث التأثیر على سیر الإجراءات المسطرية:
لقد سكت المشرع المغربي عن الآثار المترتبة عن التبليغ أو عدمه مما جعل الجهاز القضائي يتصدى لإيجاد الحلول وترتيب الآثار عن التبليغ المعيب والناقص في شكلياته سواء تعلق الأمر بالاستدعاء وطيات التبليغ، أو الموطن أو محل الإقامة حيث تولى المجلس الأعلى سابقا -محكمة النقض- حاليا وبعض محاكم الاستئناف إصدار مجموعة من القرارات والاجتهادات في إطار الاختصاص والرقابة القانونية تنصب كلها على إلغاء الكثير من الأحكام المبنية على التبليغ المعيب أو الناقص كما أن العديد من الوزارات بتعاون مع وزارة العدل قد تدخلت بعدة مناشير لتلافي النتائج السلبية التي تلحق الضرر بمصالحها نتيجة التبليغات التي لا تحترم البيانات والآجال المسطرة في ق.م.م وبعض القوانين الخاصة، وسوف نذكر قرارات محكمة النقض ومحاكم الاستئناف وكذا منشورات بعض الوزارات التي طالبت ونصت على إلغاء العديد من إجراءات التبليغ لأنها لم تكن وفق البيانات القانونية المطلوبة.
قرارات محكمة النقض الصادرة في موضوع التبليغ الزجري:
القرار المدني الصادر بتاريخ 24 أكتوبر 1968، بخصوص عدم استدعاء الخصم ” استدعاء الخصم شرط أساسي لإصدار الحكم عليه كي يسمع ما عنده إليه وإلا كان الحكم باطلا “.
2- قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 18- 6- 91 تحت عدد 816 منشور بمجلة المعيار عدد 18 و19 ص 174 وما يليها:
ـ عدم استدعاء الطاعن أو من يمثله للجلسة التي أدرجت فيها القضية للمداولة يجعل القرار الصادر باطلا لخرقه لقواعد المسطرة المضرة بالطاعن ولمساسه بحقوق الدفاع.
3 ـ قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 4- 4- 88 تحت عدد 904 منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى المادة المدنية الجزء الثاني ص 479.
ـ إن الإشعار البريدي بالتوصل يعد محررا رسميا فهو حجة بالوقائع التي يشهد الموظف العمومي بحصولها إلى أن يطعن فيه بالزور ولهذا تكون المحكمة على صواب لما اعتمدته كحجة على تواصل الطالب بالإنذار واعتبرت أن مجرد إنكار التوقيع غير كاف للقول بعدم التوصل.
4 ـ قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 9- 4- 82 تحت عدد 105 في الملف المدني عدد 87368 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 31 ص 148 وما يليها.
ـ يثبت التبليغ في حالة الإنكار بشهادة التبليغ التي تبين لمن وقع له تسليم التنبيه أو رفض تسلمه أو بشهادة التسليم البريدية وأن عدم سحب التنبيه من طرف إدارة البريد لا يقوم مقام رفض التسليم.
5 اجتهاد محكمة الاستئناف بالدار البيضاء – قرار 683/3 بتاريخ 10- 9 – 1985 مجلة المحاكم المغربية، عدد 46 وقد جاء بالقرار المذكور ما يلي: غلاف بالتبليغ: الإشارة إلى كل البيانات اللازمة بما فيها تاريخ التبليغ وتوقيع العون، لا تقوم شهادة التبليغ الصادرة من مصلحة التبليغ مقام غلاف التبليغ.
ـ تاريخ التبليغ: عدم الإشارة إليه في غلاف التبليغ يرتب بطلان التبليغ ولو لم يثره الطرف المعني هذا مع العلم أن غلاف التبليغ يعتبر طيا قضائيا ويجب أن يحتوي جميع الوثائق المراد تبليغها للمعني بالأمر، أما شهادة التسليم فيمكن القول أنها وثيقة إدارية قانونية دورها إثبات واقعة التبليغ، ويجب أن يحتفظ بها بملف التبليغ سواء لدى العون القضائي أو بالإدارة القضائية، وعلى ضوءها تسلم الشواهد الإدارية عند المنازعة في التبليغ من عدمه.
تاريخ التبليغ وتوقيع العون على طي التبليغ:
من الاجتهادات الصادرة في الموضوع الطيات القضائية قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ـ الغرفة المدنية الثانية: رقم 683/3 بتاريخ 10- 9- 1985 ملف مدني عدد 412/85 مجلة المحاكم المغربية، عدد 46 نونبر ودجنبر….. فإن كان من حق الإدارة أن تتوفر على شهادة التسليم التي تتضمن بيانات إلزامية كما هي محددة في الفصل 39 من ق.م.م فإنه بالمقابل يحق للطرف المبلغ إليه أن يتوفر على وثيقة تسمح له بالقيام بإجراء الطعن، وهذه الوثيقة هي غلاف التبليغ المنصوص عليه في المادة 38 من ق.م.م والذي يجب أن يتضمن الاسم الكامل للطرف المعني وعنوانه وتاريخ تبليغه وتوقيع العون.
إن عدم الإشارة إلى تاريخ التبليغ على الغلاف يكون إخلالا شكليا مضرا بمصالح المحكوم عليه ولا يمكن سد هذا الإخلال بالشهادة الإدارية التي تسلم من مصلحة التبليغ ولو تضمنت هذه الشهادة البيانات بما فيها تاريخ التبليغ، لأن تاريخ التبليغ مسألة جوهرية يجب أن تبرز على غلاف التبليغ.
إن غلاف التبليغ الذي لا يحمل تاريخ التبليغ وغير موقع من طرف العون المبلغ يترتب عليه التصريح ببطلان التبليغ ولو لم يطلبه الطرف المعني، وبالتالي يعتبر الطعن قد تم داخل الأجل القانوني.
شهادة التسليم: قرار عدد 301 المؤرخ في 15 يناير 1997، الملف المدني عدد 1067/1996.
” الشهادة المعتبرة قانونا لإثبات التبليغات القضائية هي شهادة التسليم المنصوص عليها في ف 39 من ق.م.م والمحكمة عند ما أصدرت قرارها بعدم قبول الاستئناف شكلا، واستنادا إلى شهادة تبليغ مسلمة من طرف رئيس كتابة الضبط تفيد أن التبليغ قد بلغ للمستأنف، دون أن ترجع لملف التبليغ وتبحث عما إذا كان يتوفر على شهادة التسليم التي هي وحدها المثبتة لتبليغ المدعى عليه أم لا، تكون قد خرقت مقتضيات ف 39 من ق.م.م وعرضت بذلك قرارها للنقض والإبطال “.
المناشير والدوريات
منشور عن السيد وزير العدل المؤرخ في 7 مارس 1980 حول الاستدعـاء للجلسـات
” لقد أثار انتباهي السيد وزير التجهيز والإنعاش الوطني إلى أن الاستدعاءات للجلسات والخاصة بالمنازعات التي تهم وزارته لا تتوفر في غالب الأحيان على كل العناصر التي من شأنها أن تدل المصالح المعنية بهذه الاستدعاءات على ماهية ونوع القضية.
إنني إذ أؤكد لكم محتويات المنشورين عدد 628 بتاريخ 12 فبراير 1973 وعدد 698 بتاريخ 20 غشت 1974 الهادفة إلى تخويل الإدارات والمؤسسات العمومية التي تعتبر طرفا من الدعاوى المعروضة على محاكمكم آجالا كافية حتى يتسنى لها اتخاذ التدابير الكفيلة بالحفاظ على حقوق الدولة ومصالحها أطلب منكم بكل تأكيد أن تراقبوا بكيفية دقيقة تطبيق مقتضيات المسطرة المدنية فيما يخص مطبوعات الاستدعاءات والسهر على استعمال هذه المطبوعات فيما أعدت له حتى تكون شاملة لجميع البيانات المنصوص عليها في الفصول 37 و38 و39 من ق.م.م مع إرفاق ورقة الاستدعاء بنسخة من مقال الدعاوى ليتسنى للخصم المستدعى من طرف المحكمة معرفة موضوع النازلة وإعداد وجوه دفاعه في الوقت المناسب.
ونظرا لما تكتسيه هذه التوجيهات من أهمية قصوى في ميدان حسن تصريف الأشغال أرجو منكم تبليغها إلى أقسام كتابات الضبط بمحاكمكم ليكونوا على بينة منها ويعملوا بمقتضاها بكامل الدقة والعناية والسلام “.
1ـ منشور وزير العدل تحت عدد 896 بتاريخ 9 أكتوبر 1980 حول استدعاء موظفي ومصالح وزارة الدولة المكلفة بالبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية
” بناء على ملاحظة وزير البريد حيث أشار هذا الأخير إلى إغفال ذكر موضوع النزاع وسبب المتابعة وكذا الإدارة التي ينتمي إليها الطرف المعني بالأمر والاقتصار على الإشارة إلى المدعى والمدعى عليه وهذا ما يترتب عليه عدم التعرف على نوعية القضية حتى يتمكن الطرف المعني إيفاد ممثله القانوني الذي ينوب عليه في الجلسات.
وعليه فإن وزير العدل يطلب من كتاب الضبط أن يسهروا شخصيا على أن تتضمن الاستدعات الموجهة إلى الوزارة المذكورة كافة البيانات والمراجع التي من شأنها أن تعطي صورة واضحة المعالم عن الواقعة أو القضية موضوع الاستدعاء”.
2ـ رسالة دورية صادرة من وزير العدل بتاريخ 17 أبريل 1990 تحت عدد 25171 حول تبليغ الاستدعاءات والطيات القضائية بالخارج.
” فقد أثار انتباهي وزير الشؤون الخارجية والتعاون إلى أن بعض الاستدعاءات والطيات القضائية الموجهة من محاكم المملكة إلى أشخاص يقيمون ببلد أجنبي، تصل متأخرة إلى سفارتنا وقنصلياتنا بالخارج حيث يتعذر تبليغها لأصحابها في الوقت المناسب أو توجه إلى المحاكم الأجنبية دون اعتماد الطرق الدبلوماسية والأعراف الدولية “.
ونظرا للآثار السلبية وللانعكاسات الوخيمة التي تنتج عن التبليغات الناقصة والمعيبة وبناء على ما أثير من ملاحظات عن العديد من الوزارات فقد تدخلت وزارة العدل بمنشور يكتسي صبغة الإلزام في التقيد بضوابط التبليغ وبياناته مع اقتراح العديد من الحلول لتلاقي الخلل في البيانات وتتمثل هذه الحلول في النقط التالية:
1 ـ تكليف قاض من قضاة المحكمة بالإشراف على التبليغ والمراقبة الدائمة لسيره.
2 ـ تعيين موظف خاص من درجة منتدب قضائي بالتنسيق مع الأعوان القضائيين.
3 ـ مسك كتابة الضبط لسجل التداول بالنسبة للطلبات المعدة للتبليغ وفق النموذج رقم 419 المقرر من طرف الوزارة.
4 ـ إلتزام الأعوان سواء منهم الأعوان القضائيون أو أعوان المحكمة بضرورة مسك كل واحد منهم لسجل وفق النموذج الموجه إليكم صحبته
5 ـ مراعاة مقتضيات الفقرة الثالثة من الفصل 38 من قانون المسطرة المدنية وخاصة ما يتعلق منها بالغلاف.
6 ـ مراعاة الآجال التي حددها الفصل 40 من ق.م.م عند تهيئ الاستدعات
7 ـ تحرير شهادات التسليم بخط واضح
8 ـ اتخاذ الإجراءات الصارمة في حق كل عون تهاون في تطبيق هذه المقتضيات أو قصر في أداء واجبه المطلوب.
منشور صادر عن وزير العدل حول سير التبليغ بتاريخ 26/10/1994 تحت عدد 1647 س 2.
خاتمة
اهتمت جل التشريعات إن لم نقل كلها بتنظيم التبليغ من أجل الحق في الدفاع وبذلك حددت إجراءاته وطرقه والجهات المؤهلة للقيام به، إلا أن التبليغ تواجهه عدة مشاكل من بينها البطء في تصفية القضايا أمام المحاكم، وتعتبر هذه الظاهرة، سلبية تؤدي بالفرد إلى عدم ثقته بالقضاء.
من كل ما تقدم يتضح أن المشرع المغربي اعتمد في التبليغ على العلم الظني والعلم الحكمي أكثر مما اعتمد العلم اليقيني، مع ملاحظة أن العلم الظني والحكمي لا يتحقق بهما إيصال الإجراء للمعني بالأمر. أو قد يصله بعد فوات الأوان، لذا حبذا لو حدا المشرع المغربي حذو التشريعات الحديثة ويأخذ في مجال التبليغ بمبدأ العلم اليقيني الذي يحقق العدالة ولا يأخذ في مجال التبليغ بمبدأ العلم اليقيني والعلم الحكمي إلا عند الضرورة وعلى سبيل الاستثناء.
وتجدر الإشارة إلى أنه من الأفيد لأخذ كذلك بمبدأ التبليغ بمكاتب المحامين لاسيما وأن جل الأنظمة الداخلية لهيئات المحامين بالمغرب تنص عليه، ومن شأن الأخذ بهده الطريقة في تبليغ المذكرات والوثائق أثناء سير الدعوى يعد تبليغا يوفر الوقت والجهد يحقق العلم اليقيني، وأصل هذا النوع من التبليغ مبني على الثقة بين الزملاء في المهنة وفي حالة التبليغ عن طريق المفوض القضائي
إذن إلى أي حد استطاع المشرع المغربي أن يطور مؤسسة التبليغ لتقوم بمهامها على أحسن وجه ويكون حق الدفاع من أولويات سياسة الدولة ؟ ونطمح إعادة النظر في مؤسسة التبليغ من خلال إصلاح منظومة العدالة
اضغط هنا لتسجيل بريدك الالكتروني ليصلك كل جديد - لا تنسى التفعيل