أخر الاخبار

الجهوية الموسعة والتنمية الاجتماعية

الجهوية الموسعة والتنمية الاجتماعية 
عبد الحفيظ و لعلو
الحكامة الجهوية والمقاربة التشاركية
في خطابه التاريخي بمناسبة الذكرى الثلاثين للمسيرة الخضراء بتاريخ 6 نونبر2005، قدم جلالة الملك محمد السادس المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي تخول للصحراء المغربية موقعا متميزا في إطار الجهوية الموسعة، كما دعا جلالته كل الفاعلين من أحزاب سياسية ومكونات المجتمع المدني والباحثين إلى التفكير لوضع تصور مغربي شامل للجهوية الموسعة، وفي هذا الإطار تأتي مساهمتنا من منطلق الباحث والفاعل الجمعوي في هذا النقاش الوطني لإغنائه باقتراحات وتوصيات يمكن أن تستأنس بها اللجنة الملكية الاستشارية المكلفة بوضع تصور للجهوية المتقدمة بالمغرب في إطار الوحدة الوطنية، آخذة بعين الاعتبار الخصوصيات التاريخية والثقافية واللغوية والاقتصادية والاجتماعية لجهات المملكة، وكذا بالاستئناس ببعض التجارب الأجنبية في النظام الجهوي.
وفي هذا الصدد قام المعهد المغربي للعلاقات الدولية بدراسة البعض من هذه التجارب وبصفة خاصة التجارب الجهوية في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا وأمريكا الشمالية، الشيء الذي مكننا من وضع دراسة مقارنة في مجال الاختصاصات للجهات وعلاقة الدولة بها وطرق تطبيق الجهوية وما تتطلبه من تشريعات وهياكل تنظيمية وإصلاحات جبائية ومالية أي ما تتطلبه الحكامة الجهوية.
وقبل الشروع في التعريف بالحكامة الجهوية وما يصاحبها من مقاربة تشاركية، وهو موضوع مساهمتنا، لابد من التذكير ولو بعجالة بما تحقق من نظام اللامركزية واللاتمركز مرورا بحصيلة الجهوية منذ الشروع في تطبيق القانون الخاص بها سنة 1997. وكذا القانون المنظم للمجالس الجهوية مع إبراز كذلك نقط الضعف التي ميزت هذه التجربة المتواضعة والمحتشمة للجهوية ببلادنا.

تجربة اللامركزية
منذ بداية الاستقلال نهج المغرب نظام اللامركزية كطريقة لتدبير شؤون الدولة بصدور أول ظهير يخص مجالس العمالات والأقاليم سنة 1963، ثم الميثاق الجماعي لسنة 1976 الذي منح للجماعات المحلية اختصاصات واسعة لتدبير التنمية المحلية، إلى أن جاءت إصلاحات سنة 2008 للميثاق الجماعي الحالي حيث أكدت على ضرورة دعم الشراكة والتعاون مع مختلف الفاعلين وفي مقدمتهم الجمعيات وذلك بإحداث شراكات التنمية المحلية والأخذ بالمقاربة التشاركية في وضع المخطط الجماعي للتنمية الاقتصادية والثقافية، فضلا عن مقاربة النوع للتأكيد على دور المرأة في تلك التنمية المحلية.
ومن أهم الدروس الواجب استخلاصها من تجربة اللامركزية ضرورة إشراك السكان في التدبير المحلي وتقوية قدرات المنتخبين والنخبة المحلية. ويظل السؤال المشروع هو كيف الانتقال من الوصاية التقليدية-(وصاية وزارة الداخلية والعمال على الجماعات المحلية)- إلى مرحلة الشراكة والتعاون والتعاقد، مع احترام اختصاصات كل طرف فاعل في التنمية المحلية، أي ضرورة العمل بالحكامة الجيدة على الصعيد الجماعي والجهوي؟
إن الإجماع الوطني الذي حصل بين كل الفاعلين السياسيين سنة 2002 حول المفهوم الجديد للسلطة والعلاقة الجديدة بين النخب المحلية والسلطات المحلية لبعث الروح في تعبئة السكان للمشاركة الواسعة في اختيار من يمثلهم على الصعيد المحلي والجهوي، قد فتح صفحة جديدة في العلاقة بين السلطة و السكان في إطار مقاربة تشاركية.

الجهوية : الحصيلة والإكراهات
مرت هذه التجربة في المغرب بعدة مراحل خاصة ما جاء به ظهير 1971 ثم دستور 1992 ودستور 1996 وقانون الجهات لسنة 1997 الذي أسس للمجالس الجهوية وحدد اختصاصاتها وطرق انتخابها إلى أن أكد جلالته في خطابه يوم 12 أكتوبر 1999 على دور الجهة حيث قال :
«إن الجهة التي كرسها دستور مملكتنا تعتبر حلقة أساسية في دعم الديمقراطية المحلية ومجالا خصبا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية...».
بالنسبة للتجربة الأولى سنة 1971 كان الهدف منها اقتصاديا بإحداث 7 جهات اقتصادية، بعد ذلك جاء ظهير أبريل 1997 الذي حدد اختصاصات الجهات ومجالسها وطرق انتخابها حسب قانون رقم 97-9، فكانت سنة 1997 بداية انطلاق التجربة الجهوية بشكل أكثر وضوحا.
وفي الواقع كانت قرارات المجلس الجهوي خاضعة لمصادقة الوالي عليها فيما يخص ميزانية الجهة والقروض وكذا التدبير المفوض والممتلكات، وظلت وصاية وزارة الداخلية على المجالس الجهوية رغم أهمية اختصاصاتها حاضرة وتجلت في سلطة الوالي كآمر للصرف.
إن موضوع الوصاية كان حاضرا باستمرار في جميع المناظرات للجماعات المحلية وسيحتل مكانة خاصة في تحديد اختصاصات العمال والولاة في إطار الجهوية الموسعة.
ومع مرور السنوات، يتضح لنا وبكل موضوعية أن التجربة الجهوية بالمغرب، بالرغم مما تحقق في بعض المجالات، لازالت محتشمة وحصيلتها ضعيفة مقارنة مع حصيلة الجماعات المحلية، نتيجة محدودية القانون المنظم للجهات وخاصة ما تعلق باختصاصات المجالس الجهوية وطرق انتخابها، وضعف الموارد البشرية والمالية المتوفرة لديها لإنجاز المشاريع الجهوية، وكذا ثقل الوصاية عليها، بالإضافة إلى تداخل الأدوار بين المجالس الجهوية والجماعية والإقليمية، نتيجة ضعف الرؤيا حول تقاسم التدبير الجهوي في تلك المجالس المنتخبة والجهاز التنفيذي المتمثل في رجل السلطة الذي يمثل تارة وزارة الداخلية وتارة أخرى الوزارة الأولى بحكم موقعه كمنسق بين المصالح الخارجية للقطاعات الحكومية وما يتوفر عليه من إمكانيات بشرية وتقنية وموارد مالية تجعله قاطرة فعالة في إنجاز المشاريع الجهوية.
إن تخصيص نسبة 1% من الضريبة على الشركات و1% من الضريبة على الدخل العام لفائدة الجهات يفسر ضعف الإنجازات للجهات وقدرتها المالية بالإضافة إلى ضعف التأطير التقني لمصالحها قصد تتبع إنجاز تلك المشاريع، مما دفع عددا من الفرق البرلمانية للمطالبة برفع هذه النسبة الضعيفة في كل مناسبة لمناقشة مشروع الميزانية للدولة.
خلاصة القول بأن الجهوية ليست قرارا إداريا يتم صناعته في العاصمة أو قرارا مركزيا يطبق محليا وجهويا بقانون أو بقرار إداري لا يأخذ بعين الإعتبار المعطيات المحلية ونوعية النخب السياسية المحلية المكلفة بتطبيقه بل إنها إرادة سياسية واعية تتطلب توافقا سياسيا وإجماعا وطنيا تتفاعل فيه كل مكونات المجتمع ولأن الجهوية رهان مجتمع بكل فئاته قبل أن يكون رهان دولة أو حكومة إنه المدخل الحقيقي لبناء دولة المؤسسات والقانون، إنها اختيار إستراتيجي يحتاج إلى انخراط واعي لكل فئات الشعب لضمان نجاحه واستمراريته، إنه مسار صعب ومتشعب يتطلب كذلك التدرج في تطبيقه، ووضع آليات واضحة لتفعيله ومراقبة تطبيقه، مع العمل على تقييمه مرحلة بمرحلة لتطويره مستقبلا، دون المساس بالوحدة الوطنية وبالثوابت ومقدسات الوطن الضامنة لتماسكه، وللحفاظ على تنوع المغرب وتعدده الثقافي واللغوي والاجتماعي الذي يميزه عبر القرون.

جيل جديد من الإصلاحات لتحقيق الجهوية الموسعة
إن الجهوية المتقدمة ورش وطني كبير قد يؤسس لمشروع مجتمعي متكامل مرتبط بمدى قدراتنا على تحقيق إصلاحات جوهرية لا مفر منها لبلوغ أهداف هذه الجهوية وبناء المغرب الحديث، بالإضافة إلى ما تعرفه بلادنا من أوراش كبرى وإصلاحات هيكلية في توفير البنيات التحتية وتجاوز العجز الاجتماعي الكبير الذي راكمناه منذ سنواتِ تطبيق برنامج التقويم الهيكلي(1983)، ومن هنا تعتبر الجهوية ضرورة لضمان تنمية متوازنة بين كل الجهات.
إن الهدف الأسمى للتنمية الجهوية هو الإنسان كفاعل أساسي في تحقيقها وكمستفيد مباشر منها وكمحرك في عملية التنمية البشرية.       
إن الجهوية أو نظام اللامركزية كما أكدناه سلفا ليست بعملية سهلة أو مجموعة قوانين ومساطر إدارية بل إنها مجموعة من مبادئ الحكامة الجيدة في كل مجالاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث أن إشراك المواطن في كل مراحل وضعها وتطبيقها يعد شرطا أساسيا إضافة إلى اختيار منتخبين نزهاء عبر انتخابات ديمقراطية خالية من كل الخروقات وأنواع الفساد الانتخابي.

الحكامة المحلية- الحكامة الجهوية ودور المجتمع المدني
يعتبر البنك الدولي الحكامة بأنها «أسلوب ممارسة السلطة في تدبير الموارد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد من أجل التنمية» بعد أن لاحظ عبر تقاريره السنوية أن أزمة التنمية في الدول النامية ومنها إفريقيا هي أزمة حكامة وتخطيط وتدبير ومراقبة وتقييم.
الحكامة هي نمط جديد لتدبير السلطة وهي مقاربة جديدة لتدبير محلي جيد يهدف تحقيق التنمية. وبصفة خاصة تعتمد الحكامة بالأساس على توسيع المشاركة الشعبية وعلى الشفافية المالية وضمان الحرية بين كل الفاعلين وفي مقدمتهم مكونات المجتمع المدني الذي أصبح فاعلا أساسا في النهوض بالأعمال الاجتماعية المحلية خاصة بعد فشل المبادرات الفوقية والمركزية والسياسات القطاعية من طرف الدولة في كثير من المناطق، في غياب مشاركة السكان ومن يمثلهم. علاوة على ذلك أصبحت المنظمات الدولية ومعها التعاون الدولي غير الحكومي تضع الثقة أكثر في الجمعيات لتصريف المساعدات الاجتماعية وإنجاز المشاريع التنموية بالارتكاز على سياسة القرب ومقاربة النوع.
وإذا كان الإنسان هو أساس التنمية وهو المحور والمستهدف بكل مبادرة تنموية فإن إشراكه ومشاركته أصبحت من المسلمات كيفما كانت نوعية الأنظمة السياسية وقدرة الأحزاب والنقابات والجمعيات على ضمان هذه المشاركة. إن عزوف المواطن المغربي عن المشاركة السياسية وعن العمل الحزبي وبصفة خاصة في العمليات الانتخابية التشريعية أو المحلية يسائل كل الفاعلين السياسيين من حكومة وسلطة وأحزاب ومجتمع مدني، حيث يتأكد، بعد دراسة أسباب هذا العزوف الخطير للفئات خاصة منها الوسطى والواعية من المجتمع، أن دور الأحزاب في تأطير المواطنين لازال ضعيفا رغم ما تبذله تلك الأحزاب من مجهودات للرفع من المستوى السياسي للمواطنين وإشراك الساكنة في التدبير المحلي. من هنا تأتي مسؤولية الأحزاب في اختيار مرشحين لها وتسليمهم التزكية لتحمل مسؤولية تمثيل السكان والمساهمة في التدبير المحلي بنزاهة وإخلاص واحتراما للأصوات التي منحتهم ثقة السكان.
إن الحكامة الجيدة المحلية أو الجهوية ليست نتيجة لسياسة لامركزية أو قوانين منظمة لها، بل هي إطار عام يحدد العلاقة بين السلطة المركزية والمواطنين، وهي بذلك تؤسس للديمقراطية المحلية المشاركاتية عبر الأحزاب والجمعيات.
ومن الملاحظ أن الجمعيات، كانت محلية أو جهوية أو ذات طابع وطني، أصبحت في السنوات الأخيرة في بلادنا تلعب دورا مهما في التنمية المحلية بفضل الإرادة السياسية المدعمة للعمل الجمعوي وكذلك بفضل تواجدها في كل أنحاء الوطن من مدن وقرى وأحياء شعبية، حيث تتميز عن غيرها بمعرفتها الدقيقة لمشاكل السكان ومطالبهم وكذلك بهياكلها التنظيمية المرنة القابلة للتكيف مع الحاجيات، وقدرتها على التواصل وإنجاز مشاريع محلية ملموسة في ظرف وجيز من الزمن وبتكلفة مالية معقولة، وبصفة خاصة يكون ذلك بفضل المقاربة التشاركية التي أعطت للجمعيات مكانة خاصة في التنمية البشرية. وقد تعززت هذه المقاربة بتفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منذ سنة 2005.
إن الحصيلة التي توصلنا إليها من مشاركة الجمعيات، كانت محلية أو جهوية، في تلك المبادرة، تؤكد ذلك الدور الذي ميزها عن غيرها بإنجازها مشاريع تنموية محلية شملت مختلف المجالات منها الاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية شملت بصفة خاصة الأنشطة المدرة للدخل، وتنظيم القوافل الطبية لفائدة المعوزين، واستعمال القروض الصغرى، وإحداث التعاونيات والأندية الثقافية، ومساعدة الفئات المهمشة من نساء وأشخاص مسنين وأشخاص معاقين وشباب عاطل، بالإضافة إلى ما قامت به هذه الجمعيات الجهوية، المتواجدة في أغلب الجهات والمدن المغربية، في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الهادفة إلى محاربة الفقر والاقتصاد الاجتماعي والهشاشة.
هكذا أصبحت الجمعيات العاملة في المجال الاجتماعي شريكا أساسيا في هذه المبادرة حيث استطاعت أن تساهم في نشر ثقافة التضامن والشراكة والمواطنة والتعاون مع المجالس المنتخبة.
إن من أهم المستجدات التي أغنت الميثاق الجماعي الحالي لسنة 2008 تتعلق بإدخال مقاربة النوع والاهتمام أكثر بدور المرأة في المشاركة السياسية وفي التنمية الاجتماعية وكذلك في شروط  وضع المخطط الجماعي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بمقاربة مشاركاتية، حيث أصبح لزاما مشاركة الجمعيات المحلية والجهوية في وضع هذا المخطط مما فسح المجال للمجتمع المدني بالحصول على المعلومة وعلى المعطيات المحلية، وعزز كذلك إطار التواصل والتشاور بين الجمعيات والمنتخبين، وكلها شروط تجعل الحكامة المحلية نظاما يتطور باستمرار بمشاركة الجميع، مع احترام اختصاصات كل طرف في التنمية المحلية.
إن الجمعية مهما تكون حصيلة عملها ونوعية أنشطتها ومواردها البشرية والمالية لن تحل محل الجماعة المحلية التي تمتلك الشرعية التمثيلية، بل يمكن لها أن تكون مكملة لها ومع الشركاء الآخرين بفضل ما راكمته من تجارب ومصداقية، بالإضافة إلى قدرتها الاقتراحية و قدرات الكفاءات التي تؤطر  نشاطها، ناهيك على إمكانية تعبئة موارد مالية إضافية من مختلف الشركاء والمحتضنين، ومن التعاون الدولي كذلك، في حدود المسموح به قانونا.
إن المقاربة المشاركاتية التي نهجها المغرب في وضع الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة والتي سمحت للجمعيات المحلية والجهوية بالمشاركة الفعلية في وضع التصورات واقتراح التوصيات من خلال الحوارات الجهوية التي شهدتها جل جهات المملكة، تلك المشاورات الواسعة التي دققت تشخيص الوضع البيئي ببلادنا وأغنت البرامج الجهوية للحفاظ على البيئة، ومكنت من وضع لبنات إحداث المراصد الجهوية للبيئة بمساهمة المجتمع المدني.
نفس المقاربة المشاركتية الواسعة يمكن تعميمها في وضع تصور شمولي للجهوية المتقدمة عبر حوار وطني وحوارات جهوية منظمة، وبمساهمة كل الفاعلين، للوصول إلى توافق وطني لبناء جهوية متطورة وفاعلة خاصة بالمغرب، في شكل ميثاق وطني للجهوية الموسعة يكون للأحزاب والمنتخبين والجمعيات دور أساسي في تفعيله وتطبيقه بحكامة جيدة.
وعلى سبيل التذكير لقد سبق لمجلس جهة الرباط سلا زمور زعير أن نظم ندوة تكوينية سنة 2003 حول التنمية الاجتماعية للأحياء لفائدة الجمعيات، وإحداث مركز للتكوين المهني والتواصل وربط الدعم العمومي للجمعيات بنوعية المشاريع المقدمة من طرف هاته الأخيرة.

الجهوية و الديمقراطية أو إشكالية النخب المحلية
إن من بين أهداف الجهوية الموسعة تثبيت الديمقراطية المحلية إضافة إلى تدعيم التنمية المحلية وبنهج سياسة القرب للقضاء على الفوارق الجهوية والاجتماعية خاصة في المناطق النائية.
سؤال يطرح بكل إلحاح لدى جل الفاعلين السياسيين وهو هل بالإمكان تطبيق جهوية واسعة حقيقية وبمقاربة مشاركاتية في ظل غياب نخبة سياسية محلية متشبعة بمبادئ الديمقراطية والمواطنة الصادقة؟ سؤال مشروع يتطلب كثيرا من الشجاعة السياسية والنزاهة الفكرية أمام تفشي ظواهر الفساد الانتخابي والترحال السياسي والحزبي، رغم ما ينص عليه في الموضوع كل من قانون الأحزاب ومختلف القوانين الانتخابية والأخلاقيات، ما جعل الأطر الحزبية والمناضلة خارج الإنتاج التشريعي والنجاعة في تدبير الشأن العام والمحلي، وهنا أيضا تطرح مسؤولية الأحزاب في اختيار المرشحين والقبول بالمرشحين غير النزهاء والمحترفين في عملية شراء الأصوات وطبخ المكاتب الجماعية للدفاع عن مصالحهم الخاصة وامتيازاتهم الاقتصادية واستعمال الحصانة البرلمانية في قضايا الفساد المالي.
إن النقاش الوطني المفتوح لوضع آليات التطبيق والحكامة السليمة، يجب أن يضع في مقدمة هذه الآليات اختيار الأطر لتحمل مسؤولية تفعيل هذه الجهوية لفائدة المواطنين والمواطنات، لا لاستغلالها لتعزيز نفوذهم ضمن لوبيات جهوية تتحكم في خيارات الجهات باسم اللامركزية والجهوية، بل المطلوب الحرص على إبراز نخب سياسية جهوية نزيهة وذات كفاءة ومصداقية.
حاليا تدبير الجماعات المحلية بما فيها المجالس الجهوية يرتكز بالأساس على دور الرئيس وأعضاء مكتبه، مع أن التدبير المحلي والجهوي يتطلب تدبيرا احترافيا وأطرا تقنية في المستوى، نظرا لما تحمله المشاريع المحلية من مساطر إدارية وتقنيات عالية في إنجازها وتتبعها، بالإضافة إلى إشكالية التدبير المفوض لكثير من الخدمات الجماعية وما يفرضه ذلك من مراقبة مالية و تقنية وأطر تقنية عالية تتابع مدى تطبيق دفتر التحملات من طرف الشركات الخاصة التي تتوفر على معرفة واحترافية على الصعيد الدولي، خاصة منها تلك التابعة إلى الشركات الدولية.
وإضافة إلى مسؤولية المنتخبين في التدبير المحلي الجيد هناك ضرورة إشراك المجتمع المدني في مختلف الميادين وفي مختلف عمليات المواكبة الاجتماعية والمراقبة والمساهمة في تعبئة السكان والتواصل معهم، وإخبارهم بما تحمله المشاريع وبتكلفتها المالية وبالميزانية المحلية بصفة عامة، حتى يتسنى لها، أي الساكنة، ومعها الجمعيات، محاسبة المنتخبين ومراقبتهم خلال المدة الفاصلة بين الانتخابات المحلية، في إطار مقاربة مشاركتية حقيقية.

المقاربة التشاركية
بالإضافة إلى فضاءات التشاور والتواصل والمشاركة الفعلية بين الفاعلين المحليين والمجتمع المدني، هناك المقاربة التشاركية أي التعامل بوضع اتفاقيات شراكة وتعاون بين هذه الأطراف على أساس برامج والتزامات واضحة خاصة فيما يتعلق بتنفيذ هذه الاتفاقيات وصرف المال العام المخصص لها.
إن تفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أسس لقواعد هذا التعاون حيث جعل من الجمعيات شريكا أساسيا في تحقيق أهدافها الاجتماعية وحملها مسؤولية التأطير والمساهمة في تشخيص المشاكل وفي إيجاد الحلول لها بتعاون مع مختلف الشركاء من سلطات محلية و مجالس منتخبة وقطاع خاص.
لقد عززت هذه المبادرة مكانة الجمعيات الجادة كما ساهمت في نشر ثقافة التشارك في التشخيص المشاركاتي لتحديد الحاجيات والأولويات ووضع خرائط الهشاشة على الصعيد المحلي و الجهوي وكذا في تنفيذ المشاريع وتدبير المراكز الاجتماعية في إطار اتفاقيات الشراكة. ومهما كانت حصيلة هذه المبادرة ونقط ضعفها وصعوبات تفعيلها محليا، فإن المقاربة التشاركية أكدت دور الجمعيات في تحقيق أهدافها.
إن مجال تدخل المجتمع المدني واسع ومتنوع بتنوع المجالات الاجتماعية والثقافية والحقوقية ولكي يلعب دوره في تدبير الشأن العام والمحلي عليه أن يقوم بتأهيل مكوناته الجمعوية وبتكوين قدراته المحلية، وأن يكون نموذجا في التدبير الجيد والشفافية المالية وفي نهج الديمقراطية الداخلية للجمعيات، أي في مصداقيتها ونجاعة أنشطتها وتأثيرها على المستفيدين.
طبيعي أن تكون أصوات تشكك في دور الجمعيات وتعتبرها كمنافس لها بحكم تواصلها القوي مع الساكنة، وبنهجها سياسة القرب، وبقدرتها على التعبئة، في فضاء تعتبره الأطراف الأخرى من أحزاب ونقابات فضاء لها،  لما له من تأثير على المواطنين خاصة عند الشروع في استحقاقات انتخابية تشريعية أو محلية. لكن المؤكد هو أن الجمعيات مهما كانت درجة استقلاليتها و نفوذها أصبحت تفرض نفسها، في حدود اختصاصاتها، في ظل تراجع الدولة في كثير من القطاعات، وفي ظل كذلك تراجع العمل السياسي والحزبي لأسباب ذاتية وموضوعية لا مجال لذكرها هنا.
وهناك عدة تجارب في كثير من الدول الأوروبية والعربية منها مصر مثلا حيث يتم تفويض بعض المرافق البلدية من الجماعات المحلية إلى الجمعيات المحلية، خاصة في مجال تدبير النفايات الصلبة و معالجتها، و في تدبير المناطق الخضراء.
إن الشراكة وما تحمله من فلسفة وثقافة مواطنة أصبحت أساسية في كل المجتمعات والوسيلة الأنسب لإشراك السكان وتحفيزهم على العطاء والتطوع والمشاركة في تنفيذ البرامج الاجتماعية كالأنشطة المدرة للدخل—AGR، و خلق التعاونيات، وولوج سوق الشغل باستعمال القروض الصغرى، وخلق مناصب شغل في إطار الاقتصاد الاجتماعي الذي أصبح يتطور بسرعة في مختلف البلدان النامية، وبصفة خاصة في بلادنا في مجال الصناعة التقليدية والتنمية القروية والفلاحية بفضل تنامي التعاونيات والنظام التعاضدي وغيرها.
مجال آخر برزت فيه الجمعيات يتعلق بمساهمتها في تنفيذ برنامج -Agenda21- وهو برنامج أنشطة ذات أهداف لصالح التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة على أساس تشخيص مشاركاتي مرتكز على مبادئ الحكامة المحلية.
وإنها وسيلة عملية لتفعيل المخطط الوطني للتهيئة الترابية أخذت بها بعض المدن المغربية كمكناس و الصويرة و سلا، وسيلة تجعل من الجماعة المحلية المحرك و الإطار لتدبير محلي ومندمج باعتماد الشراكة مع الجمعيات.
إن الجهوية الموسعة وما تقتضيه من رؤية مندمجة وتضامن وتكامل بين الجهات للحد من الفوارق الجهوية تساعد على تعزيز هذا البرنامج (أجندة 21) الذي صودق عليه للتذكير في قمة الأرض في ريو ديجانيرو البرازيلية سنة 1992.
وبارتباط مع هذا البرنامج الذي يركز على ضرورة حماية البيئة كعنصر أساسي للتنمية المحلية يمكن تلخيص بعض التوصيات لتعزيزه مستقبلا لفائدة التنمية الجهوية وهي:
توسيع برنامج 21 إلى جميع الجهات للانتقال من التنمية المحلية إلى تنمية جهوية مع مخطط جهوي لإعداد التراب الوطني في إطار ميثاق وطني لذلك.
تقوية القدرات المحلية للأطر الجمعوية في مجال التدبير المالي والإداري.
مساهمة المجالس الجهوية في تمويل مشاريع وأنشطة الجمعيات على أساس برامج مدققة ومحددة تعود بالنفع على الجهة وساكنتها في إطار اتفاقيات الشراكة على أن يكون هذا الدعم المالي للجمعيات يخضع للمراقبة والتقييم والمحاسبة في احترام تام لاستقلاليتها في التدبير الجمعوي مع مراعاة لشروط هذا الدعم وما ينص عليه القانون من تنافي.
إشراك الجمعيات المحلية والجهوية في وضع اتفاقيات الشراكة بين المجالس الجهوية و الفاعلين الآخرين على الصعيد الوطني والدولي كذلك في إطار التعاون الدولي.

التعاون الدولي بين الجهات و التعاون اللاممركز
في إطار اختصاصات المجالس الجهوية يتم توقيع اتفاقيات شراكة وتعاون بين مختلف الجهات المغربية في الخارج وبصفة خاصة مع جهات دول الإتحاد الأوروبي وما تقدمه الشراكة الأورومتوسطية والعلاقات الأوروبية من إمكانات للتعاون بين الجهات.
ونذكر على سبيل المثال ما قامت به جهة الرباط سلا زمور زعير من تعاون دولي حيث عقدت عدة اتفاقيات تعاون من بينها:
اتفاقية مع جهة رون ألب الفرنسية (ليون Lyon) سنة 2002 تتعلق بالمجال الصناعي لعين الجوهرة و بالمحافظة على غابة المعمورة و بالتنمية الاجتماعية للأحياء.
اتفاقية مع المركز المتوسطي للبيئة (مقرها نيس-NICE- الفرنسية) سنة2003.
اتفاقية مع جهة بروكسيل العاصمة.
اتفاقية مع صقلية –SICILE- الإيطالية.
اتفاقية مع جهة تونس العاصمة سنة 2003.
اتفاقية مع تومبوكتو-Tombouktou- بجمهورية مالي.
بالإضافة إلى هذه الاتفاقيات التي تعزز العلاقات بين المغرب و جهاته(16) والبلدان المجاورة، هناك رغبة قوية عند الجميع لتعزيز التنمية الجهوية وخاصة في ظل العولمة الاقتصادية التي تدفع بالتكتلات الإقليمية الاقتصادية للتحكم في الاقتصاد الدولي والتجارة العالمية. وهناك إرادة قوية في نفس الوقت لتوسيع قواعد الجهوية والعودة إلى الوحدة الترابية -territoire- والتركيز على قيم التضامن والمساواة والمشاركة والتكامل بين الجهات، من هنا يتضح أن سياسة القرب هي السبيل الوحيد لتحقيق التنمية المحلية عبر التعاون بين الجهات والمدن الكبرى.
على الصعيد الدولي يلاحظ أن الحد من الفوارق الاقتصادية بين الجهات أصبح من بين أولويات الاتحاد الأوروبي الذي يخصص 44% من ميزانيته لتعزيز قدرات التنافسية بين الجهات، خاصة في مجال البنيات التحتية والحفاظ على البيئة وتطوير المقاولات الصغرى. وعلى المغرب أن يستغل كل ما يسمح به هذا التعاون اللامركزي بين الجهات في إطار الشراكة الأورومتوسطية وما جاء به الوضع المتقدم من تعاون بين الجهات والمدن، وما يقترحه كذلك الاتحاد من أجل المتوسط في مشاريع تنموية تهم الجهات و المدن المتوسطية منذ إحداثه .
وقد شرع المغرب في السنوات الأخيرة في عقد عدة اتفاقيات بين الجهات و المدن الكبرى كجهة الرباط سلا مع جهة بوردو الفرنسية لتدبير النقل الحضري-TRAM- تليها جهة الدار البيضاء كذلك مع بوردو و ليون الفرنسية لنفس الغرض. إن التعاون الدولي بين الجهات و ما يتطلبه من قدرة على مواجهة التنافسية وجلب الاستثمارات الخارجية سيصبح من أهم المحاور التي تساعد الجهات المغربية مستقبلا لإنجاز مشاريع كبرى مندمجة ومهيكلة في مختلف المجالات من بنيات تحتية وسياحية وفك العزلة عن العالم القروي والحد من الفوارق الجهوية.
إن المقولة الاستعمارية حول «المغرب النافع والمغرب غير النافع» و ما خلفته من فوارق اجتماعية وجهوية و تمركز النشاط الاقتصادي في محور الرباط الدار البيضاء، أصبحت مقولة الماضي بفضل الأوراش الكبرى المفتوحة في كل أنحاء البلاد في المنطقة الشمالية والمنطقة الشرقية والجنوبية مثلا،  مما سيجعل من الجهات محركا للتنمية الشاملة بخلق أقطاب اقتصادية جديدة حول بعض المدن الكبرى كطنجة المتوسط والداخلة والناظور والجديدة وغيرها من المدن التي شرعت في جلب استثمارات أجنبية خاصة من إسبانيا، فرنسا،ايطاليا، وألمانيا، لتنافس مستقبلا بعض الجهات الأوروبية كجهة كاتالونيا الإسبانية، التي أصبحت مثالا للجهوية وتدبير المدن الكبرى في المنطقة المتوسطية باعتمادها على التعاون مع الجهات المتوسطية لتنويع تجارتها الخارجية وباعتمادها كذلك على تعزيز المقاولات الصغرى وإشراك المجتمع المدني في التدبير الجهوي، مما جعل جهة كاتالونيا تنافس كثيرا من الجهات الفرنسية والألمانية في مجال الصناعة والسياحة والرياضة كذلك.

التجارب الأجنبية للجهوية –النموذج الإسباني-
كما أكدنا على ذلك في مقدمة هذا البحث، فإن دراسة بعض التجارب الجهوية على الصعيد الدولي هدفه هو الاستئناس بها فقط،  وليس لجعلها نموذجا ينقل حرفيا في تصورنا المغربي للجهوية، رغم بعض الخصوصيات المشتركة والمعطيات التاريخية و السياسية. وقد اخترنا النموذج الإسباني القريب جغرافيا و تاريخيا لبلادنا للتمعن في هذه التجربة و الاستفادة من حصيلتها.
في كثير من الدول التي كانت تعرف بالسلطة السياسية المركزية كفرنسا وإسبانيا وباعتبارها نموذجا حيا لضمان وحدة الدولة والتحكم في المجتمع، وفي كثير من الأحيان بأساليب ديكتاتورية، أصبح الوعي بضرورة الاعتراف بالتعددية في مختلف مجالاتها السياسية والثقافية واللغوية، في وقت أدت تلك المركزية المفرطة إلى عزلة دولية، مع أن التطور العالمي يشجع على الانفتاح الاقتصادي والتكتل الجهوي وعلى احترام حقوق الإنسان و إشراك المجتمع المدني في التنمية الاجتماعية. وبسبب ذلك الحكم الممركز عرفت إسبانيا أزمة سياسية خانقة و عزلة فرضت عليها مرحلة الانتقال الديمقراطي لتجاوز تلك الأزمة، وذلك بنهج نظام الجهوية في ظل الوحدة الإسبانية.
قبل إصلاح الدستور في سنة 1978 ، كانت إسبانيا دولة مركزية تتحكم في كل شيء خاصة في عهد النظام الفرنكوي، رغم التواجد التاريخي للتنوع الثقافي واللغوي لكثير من الجهات الإسبانية، كجهة الأندلس و كاتلونيا مثلا حيث تتعدد القوميات المكونة للشعب الإسباني. ورغم تلك المركزية الإسبانية اختار المشرع الإسباني إعطاء الجهات استقلالية واختصاصات واسعة داخل الوحدة الوطنية دون أن تتحول إلى دولة فدرالية حيث أن دستور 1978 نص على الوحدات الترابية المستقلة، أي الجهات، التي تتوفر على سلطة سياسية وتشريعية في تسيير شؤونها. وهكذا استطاعت إسبانيا امتصاص الرغبة في الانفصال لبعض القوميات (كاتلونيا- منطقة الباسك في الشمال....) وتكسير دواليب البيروقراطية المركزية للعاصمة مدريد المنافسة لبرشلونة.
إن اختيار الجهوية في إسبانيا كنظام سياسي متوافق عليه بين الفاعلين السياسيين والمؤسسة الملكية بعد زوال نظام فرانكو ساعدها على جلب الاستثمارات الأجنبية وتأسيس مرحلة الانتقال الديمقراطي، تلك الديمقراطية التي كانت الشرط الأساسي لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي سنة 1986 بجانب البرتغال و اليونان اللذين عرفا نفس المسار السياسي الديكتاتوري. وبفضل ذلك الانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة وتقوية الجهوية استطاعت إسبانيا إن تخرج من معسكر الدول المتخلفة لجنوب أوربا و تنافس بعض الدول الأوروبية المتقدمة. ولهذه المعطيات أهمية في دراسة بعض التجارب الجهوية. إن دستور 1978 الذي حدد الإطار القانوني للجهات في إسبانيا ارتكز على مبادئ التضامن و التوازن بين الجهات - نفس المبادئ التي يرتكز عليها المغرب في وضع الجهوية الموسعة حيث أن الدستور الإسباني حدد عدد الجهات الإسبانية في 17 جهة من بينها 3 مجموعات مستقلة منها جهة الباسك و جهة كاتلونيا و جهة كاليسيا التي تتوفر على قوانين خاصة بها. وحدد كذلك اختصاصات الجهات التي تشمل 22 مجالا، أما اختصاصات الدولة فهي تشمل 32 مجالا كالعلاقات الخارجية والدفاع وإدارة العدل والنظام المالي والجمركي وقانون الهجرة والصحافة والتجارة الخارجية، والتشريع الجنائي والتجاري، وقانون الجنسية وحق اللجوء، والبحث العلمي، والضمان الاجتماعي. أما اختصاصات الجهة فهي مجالات الصحة والتعليم والبيئة والسكن والسياحة والتعمير والشرطة المحلية والضرائب المحلية والرياضة والطرق والصناعة التقليدية.
ولضمان التوازن بين الجهات هناك صندوق الموازنة الخاص بالاستثمارات، وهناك مندوب معين من طرف الحكومة لتسيير الإدارة في الجهات باسم الدولة، وهناك المحكمة الدستورية لحل النزاعات بين الدولة والجهات، كما أن هناك قانونا خاصا بوضعية مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين.
إننا ونحن ندرس بعض التجارب الأجنبية للجهوية، للاستفادة منها لا لنقلها و تطبيقها على الواقع المغربي، نلاحظ بأن دراسة النموذج الإسباني للجهوية يشبه في كثير من معطياته الوضع المغربي، وبإمكاننا الاستفادة منه والاستئناس به نظرا للقرب الجغرافي والتاريخ المشترك، مع الاحتفاظ بخصوصيتنا الوطنية ومرحلتنا التاريخية ومؤسساتنا الوطنية وتنوعنا الثقافي.
ويمكن تلخيص بعض الإصلاحات الضرورية لتحقيق جهوية حقيقية في ما يلي:
مراجعة الدستور الحالي للتنصيص على دور الجهات واختصاصاتها وتحديد العلاقة بين الدولة والجهات وشروط تنميتها وتوسيع صلاحيتها في إطار الوحدة الوطنية والسيادة الوطنية.
مراجعة قانون الأحزاب لمحاربة ظاهرة الترحال السياسي وتعزيز الديمقراطية الداخلية فيها، مع تشديد المراقبة المالية لها حفاظا على ضمان استقلاليتها وحفاظا على المال العام، والهدف كذلك إبراز نخب سياسية محلية ذات كفاءة ونزاهة فكرية.
تعديل القانون المنظم للجهات لتحديد الاختصاصات الموكولة لها وطرق تدبيرها خاصة ظهير 2 أبريل1997.
وضع المنظومة الانتخابية الجديدة للمجالس الجهوية وانتخاب رئيسها بالاقتراع المباشر مع ضمان أغلبية منسجمة ومتضامنة تحاسب عند تقديم الحساب الإداري للمجالس بصفة دورية تعطي مصداقية أكثر للعمليات الانتخابية الجهوية المقبلة.
إشراك ممثلين عن الجمعيات والكفاءات الجهوية في تشكيلة المجالس الجهوية كملاحظين تعطي للمشاركة الشعبية دفعة قوية للمساهمة في تدبير الشأن المحلي.
إعادة النظر في تشكيلة غرفة المستشارين المكونة أساسا من المنتخبين الجماعيين وممثلي الغرفة المهنية والمأجورين قصد مراجعة اختصاصاتها الدستورية وعلاقتها بالتمثيلية الجهوية.
مراجعة التقطيع الجهوي الحالي في اتجاه تقليص عدد الجهات من 16 إلى 8 أو 10 جهات على أساس معايير موضوعية تعطي الأولوية للبعد التنموي عوض البعد الأمني أو على أساس معايير قبلية أو لغوية لضمان تماسك الجهات ووحدة الدولة.
تعديل النظام المالي والضريبي لتوفير الموارد المالية الضرورية موازاة مع الاختصاصات التابعة للجهات، وكذلك إعادة انتشار الموارد البشرية على الصعيد الجهوي للرفع من مستوى التأطير التقني للجهات، قصد وضع وتتبع المشاريع الجهوية، مع تطبيق نظام الجبايات المحلية على الجهات بتنسيق مع النظام الجبائي الوطني.
وضع آليات للتدبير الجهوي لتحقيق التنمية المندمجة والتكامل بين السياسات القطاعية والعمومية والمشاريع المحلية والجهوية في إطار التوجهات الإستراتيجية الوطنية في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي.
إعادة النظر في دور وكالات تنمية الأقاليم (وكالة الشمال- الجنوب- المغرب الشرقي مثلا) لجعلها مؤسسات تنموية مواكبة لعمل المجالس الجهوية في سياستها للقرب والتوازن بين مختلف مناطق الجهة، مع توضيح مجالات تدخلاتها وطرق إنجاز وتمويل المشاريع الجهوية.
إحداث صندوق للتضامن بين الجهات لمواجهة الكوارث الطبيعية(الفيضانات، حريق الغابات، مظاهر الجفاف والتصحر...) والتي تتطلب تدخلا سريعا وتنسيقا محكما بين مختلف الجهات المعنية.
إشراك الجمعيات الجادة في وضع المخططات الجهوية للتنمية كما هو الشأن بالنسبة للمخططات المحلية طبقا للميثاق الجماعي الحالي (المادة36).
تعزيز دور وقدرات المجالس الجهوية للحسابات للسهر على حسن التدبير المالي وتنفيذ المشاريع طبقا للمساطر المالية والإدارية وقانون الصفقات العمومية.
إحداث مجالس اقتصادية واجتماعية جهوية تهتم بالتنمية الجهوية و بقضايا البيئة وتنظيم العلاقة بينها وبين المراصد الجهوية والتنمية المستدامة طبقا للميثاق الوطني للبيئة، وتساهم كذلك في تنظيم الحوار الاجتماعي جهويا ومحليا.
إحداث صندوق للتماسك لتمويل مشاريع مشتركة بين الجهات المجاورة، خاصة في قطاع المحافظة على البيئة وتدبير المياه والطاقة وتوسيع شبكات الطرق، للحد من الفوارق بين الجهات، وخاصة في القطاعات الاجتماعية، لتعزيز دور وصلاحيات الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمديريات الجهوية للصحة.
تدعيم دور صندوق التجهيز الجماعي FEC المصاحب للمشاريع الجماعية بالإضافة إلى منح القروض للجماعات المحلية في إطار مقاربة تشاركية، مع الجماعات المحلية ومكونات المجتمع المدني والقطاع الخاص.
وضع صندوق للاستثمارات الخارجية للجهات لمساعدة الجهات على جلب استثمارات إضافية، في إطار التعاون الدولي والتعاون اللاممركز، خاصة بين الجهات المغربية وجهات دول الاتحاد الأوروبي، وبعبارة أخرى تمكين الجهات من «تسويق منتوجها الجهوي» للرفع من تنافسيتها وجعل جهات المملكة مناطق جذابة للمشاريع الكبرى.
وضع برنامج للتكوين والتكوين المستمر لفائدة المنتخبين المحليين على صعيد الجهة يعزز قدرات النخب السياسية المحلية خاصة في مجال التدبير والتواصل ووضع المشاريع وطرق تمويلها ومراقبة إنجازها، أي كل ما يتعلق بالحكامة المحلية، وبتنسيق مع مديرية الجماعات المحلية والجامعات ومراكز البحث والدراسات باعتبار التكوين والتواصل من أهم مكونات الحكامة المحلية.

خلاصة
إن الدستور و القانون وحدهما لا يمكن أن يعفيانا من التأكيد على إشكالية التطبيق على أرض الواقع مهما كانت جودة هذه التشريعات، أي ضرورة انخراط الجميع في تطبيقها، واحترام اختصاصات كل طرف فاعل من سلطة مركزية وأحزاب وجمعيات وفاعلين اقتصاديين واجتماعيين ومنتخبين، فعلى الكل أن يركب قطار الجهوية الموسعة - قطار التنمية المندمجة- وعلى الجميع أن ينخرط في إنجاح هذا الورش الكبير لبناء المغرب المتقدم والديمقراطي والعصري، وطي صفحة التخلف والفقر والجهل في بلادنا، بناء مغرب تسوده العدالة الاجتماعية والكرامة في ظل العهد الجديد الفاتح لمستقبل أفضل.
إن الهدف الأساسي من الجهوية الموسعة هو تحقيق توازن بين المراكز والوحدات الترابية الأخرى والنجاعة الاقتصادية والاجتماعية، بسن مقاربة تشاركية و آليات مشاركتية و بتفعيل الحكامة الجهوية لصالح الساكنة في إطار التضامن بين الجهات، و في إطار الوحدة الوطنية التي نعتز بها في ظل الملكية الدستورية والاجتماعية.

عبد الحفيظ و لعلو
رئيس الملتقى الأورومتوسطي 2010
نائب رئيس المعهد المغربي للعلاقات الدولية  IMRI
لكاتب العام بالنيابة لجمعية أبي رقراق-سلا
المصدر: هنا



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-