أخر الاخبار

المَلَكة القانونية .. والمَلَكات الأخرى!!

"المَلَكة القانونية" .. والمَلَكات الأخرى!! 
بقلم : مصطفى فؤاد عبيد


قد تبدو مسألة القانون من حيث الدقة في صياغة المواد القانونية وحتى الألفاظ المستخدمة بشكل محكم أنها يستحيل أن تسبب أية ملابسات عند استخدامها من قبل القضاة والمحامين أو النيابة وضباط الشرطة، ولكنها، بالمقابل، قد تكون شديدة التعقيد لدرجة تؤدي أحياناً إلى نشوء مثل تلك الملابسات بشكل عجيب ومنطقي في آنِ معاً. وتلك معضلة ستظل قائمة بقدر ما في هذا العصر من متناقضات غير ملحوظة للمتخصصين وغير المتخصصين في هذا المجال على حدِ سواء.


ومن أكثر الأمثلة شيوعاً على مسببات تلك الملابسات ما قد ينشأ عند خلط كل من "الأسباب" و"النتائج"، أو طريقة ترابطهما معاً عند بحث أية قضية أو مسألة قانونية، ذلك الخلط الذي من شأنه أن يقلب موازين أية قضة أو مسألة قانونية رأساً على عقب ويجعلها تبدو وكأنها مثالاً للعدل والحكمة في الوقت الذي لا تعدو أن تكون فيه ظلماً قانونياً بالمعنى الحرفي.

وقد كان لما يطلق عليه "المَلَكة القانونية" الدور المهم والأعظم لحل مثل تلك الإشكاليات وغيرها، والتي لولاها لاستعصى حل الكثير منها وبات أكثر الناس يعانون ظلماً لا تفسير له سوى "المنطق" المجرد من أية أحاسيس بشرية ولأضحى العدل مفقوداً على مر العصور، بالرغم من غيابه في بعض المواضع لأسباب أخرى بطبيعة الحال.

وقد ساهمت المَلَكة القانونية في تصحيح وتقويم الفقه القانوني بشكل عام حيث أنها تمثل القدرة على تمييز روح القانون، وليس نصه فقط، والرؤية الثاقبة لبواطن النص القانوني والمسألة القانونية قيد البحث والإحساس بكافة جوانبها الفنية المجردة من جهة والبشرية الحسية من جهة أخرى وتكاملهما معاً وفهم الترابط الخفي الذي يكمن في تفاصيلها، الأمر الذي سيعزز من اتخاذ القرار الصحيح والمناسب تجاه تلك المسألة من قبل المتخصصين الذين يمتلكون تلك الموهبة.

إن التطور السريع الذي يشهده العالم والتعقيدات التي تتنامى نتيجة لهذا التطور وتداخل الكثير من الشئون في العديد من المجالات والصراعات الناتجة عن كل ذلك بحاجة الآن، أكثر من أي وقت مضى، لأن نمتلك ونطّور "مَلَكات" في شتى المجالات وليس الملكة القانونية فقطـ، بل الفيزيائية والكيميائية والرياضية والتجارية والهندسية والطبية وحتى الأدبية والفنية وسائر التخصصات الأخرى، وهذا أقل ما يمكن أن يكون بحوزتنا لمواجهة تحديات هذا العصر في شتى المجالات ولكي نضمن الحد الأدنى من حقوق الأجيال القادمة التي تتناسب مع تطلعاتنا.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-