أخر الاخبار

بين مقولة القانون لا يحمي المغفلين وقاعدة لا أحد يعذر بجهل القانون

نافذة على القانون: بين مقولة
 «القانون لا يحمي المغفلين»
 وقاعدة «لا أحد يعذر بجهل القانون»


تختلف التفسيرات بخصوص مقولة «القانون لا يحمي المغفلين» والهدف واحد.

 وتفاديا لأي خلط هناك قاعدة موازية تقول «لا أحد يعذر بجهل أحكام القانون». بالنسبة لهذه القاعدة يرى فقهاء القانون أنهلا يصح أي احتجاج بعدم العلم بالقاعدة القانونية بخلفية التهرب من تطبيقها. يمر القانون عموما، قبل التنفيذ،من عدة مراحل تسمى بالإجراءات الشكلية، تبدأ من طور الاقتراح، وتبلور المشروع، الذي تليه المناقشة وإبداء الملاحظات، ثم التصويت والمصادقة، وأخيرا الإصدار والنشر في الجريدة الرسمية. وما إن يتم نشر القانون في الجريدة الرسمية، يشرع في تطبيق القانون. ويعد النشر في الجريدة الرسمية شرطا شكليا هاما لبدء سريان التطبيق لأي قانون. والاعتذار بجهل القانون لا يؤخذ به إلا في حالة استثنائية واحدة ،عندما تقوم قوة قاهرة قد تؤدي إلى عزل إقليم من دولة ويستحيل معها وصول الجريدة الرسمية إلى هناك. والعلم بالقانون بعد نشره في الجريدة الرسمية هو علم افتراضي ونسبي وليس مطلقا، حسب فقهاء القانون، ويترتب على هذا النشر إعمال مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون.

فيما يتعلق مقولة «القانون لا يحمي المغفلين» تتعدد في شأنها التفسيرات، وتبقى الغاية من شيوعها في سائر المجتمعات واحدة تكون واحدة. و لتقريب القارئ من هذه التفسيرات ندرج في هذه الورقة آراء باحثين و كتاب من بعض الدول العربية.



أساس مقولة أن القانـون لا يحمي المغفليـن

يقول فـارس حامـد عبد الكريـمـ باحث في القانون من العراق:»يسود الاعتقاد لدى العديد من الناس، كما ويتمسك بعض ذوي النوايا السيئة، بفكرة مفادها أن القانون لا يحمي المغفلين، والحال إن هذه المقولة تستخدم في غير الإغراض التي قيلت أو وضعت من اجلها. هي فكرة قانونية فلسفية حسب الأصل، مفادها أن الحماية القانونية للمصالح الخاصة ليست مطلقة بل نسبية. الحماية القانونية تبدأ قانونا من مستوى معين من سلوك مفترض للأشخاص لا تنزل دونه، ومن ثم يقع على عاتق الفرد واجب اتخاذ قدر من الحيطة والحذر في تصرفاته القولية والفعلية حتى تصبح الحماية القانونية له ممكنة، وهذه الحيطة قد تكون على شكل إجراءات أو شكليات يقع على عاتق الفرد واجب إتباعها حتى يمكن تفعيل الأنظمة القانونية التي تحميه، ومن ذلك شرط التسجيل العقاري لانتقال الملكية في العقارات وشرط توثيق الدين بمستند عادي او رسمي للإثبات ، فتكون شروط الحماية القانونية هنا توفر هذا السند....

وتعبر هذه الفكرة في مضمونها الفلسفي عن الفرق بين الحقيقة القانونية والحقيقة الواقعية الحق، وقد تتطابق الحقيقة القانونية مع الحقيقة الواقعية وقد لاتتطابق، والقضاء يحكم بناءا على معطيات الحقيقة القانونية لا الحقيقة الواقعية عند عدم تطابقهما، ولهذا كان للعدالة ضحايا، ومن ذلك شهادة الزور، إذ هي تحجب الحقيقة الواقعية الحق عن نظر القاضي فيحكم بناءا على الحقيقة القانونية التي تجسدت في شهادة الزور، فهو يعتمدها مادام ليس هناك سبيل لكشف زورها وبهتانها.

وفيما عدا ذلك فأن القانون يحمي المغفلين ومظاهر الضعف الإنساني من استغلال المستغلين وكيد الكائدين ونصب المحتالين، ومن تطبيقات يتبني القانون لنظرية الغلط ونظرية التغرير مع الغبن ونظرية الاستغلال، فضلا عن تبنيه لنظم قانونية لحماية القاصر والمجنون والمعتوه والسفيه وذو الغفلة ورتب اثأرا قانونية عليها ...،فضلا عن تبني القانون لنظرية البطلان في حالات انعدام الأهلية أو محل العقد اوسببه في العقود، كما تبنى قانون العقوبات العقوبة على جريمة الاحتيال وجريمة إصدار شيك بدون رصيد....


القانون يحمي المغفلين ولكن لا يحمي المفرطين بحقوقهم


تحت هذا العنوان نشرت مادة لمحمد بن عبد الله السهلي من السعودية، ندرج منها الفقرات التالية:

«يتردد كثيراً عند العامة ويسود اعتقاد لدى بعضهم أن (القانون لا يحمي المغفلين) وذلك في حال تعرض شخص ما لعملية نصب أو احتيال أو أي مظهر من مظاهر الاستغلال وسوء النية. وتستند هذه المقولة إلى ضرورة أخذ الشخص للحيطة والحذر في جميع تصرفاته من أقوال وأفعال وإلا أصبح مغفلاً وزالت عنه الحماية التي يقررها القانون (النظام) وأصبح عرضة لنهب أمواله واستغلالها بأي طريقة كانت دون عقاب. 

إن عبارة (القانون لا يحمي المغفلين) بالمعنى الاصطلاحي المباشر غير صحيحة، أما بالمعنى القانوني الفني ففيها وجه من الصحة، وتفسير ذلك أن القانون -ونعني به هنا القانون بمعناه الواسع والذي يشمل كل قاعدة آمرة ملزمة ومقترنة بالجزاء ومنظمة لسلوك الأفراد في المجتمع سواء كان مصدرها أحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظمة بدرجاتها- يحمي ناقص أو عديم الأهلية كذي الغفلة والسفيه والمجنون والصبي غير المميز، وكذلك يحمي المتعاقد من الغبن والتدليس والغش والجهل بالمعقود عليه وكل ما يشوب الإرادة كالإكراه والغلط. كما أن الشريعة الإسلامية أقرت عدداً من الخيارات في العقود كخيار المجلس وخيار الشرط وغيرها والتي تهدف في مجملها إلى حماية حقوق أطراف العقد من كل ما يؤدي إلى الإضرار بهم. لذا فالقانون يحمي المغفلين بالصورة التي ذكرناها ويرتب جزاء على ذلك كبطلان التصرف أو تعويض المتضرر. 

وعبارة (القانون لا يحمي المغفلين) تقودنا إلى معنى آخر مرتبط به وهو وجوب التفريق بين الحقيقة التي يقررها القانون والحقيقة كما هي على أرض الواقع، فليس كل حقيقة قانونية مطابقة للحقيقة الواقعية، ولتبيان ذلك فإن الحماية التي يقررها القانون للأفراد تصل إلى مستوى معين ولا يمكن أن تنزل دونه، أي أنه يقع على عاتق الشخص المكلف واجب إتباع سلوك مفترض مؤداه أخذ الحيطة والحذر في تصرفاته من أفعال وأقوال حتى تصبح الحماية القانونية قائمة ونافذة. 

...لذا أتى الفقه الإسلامي بقاعدة شهيرة مفادها أن (المفرط أولى بالخسارة) أي أن الذي يفرط في حماية حقوقه ومصالحه على نحو لا يعد من قبيل الصور التي يحميها الشرع، فهو أولى بالخسارة والضرر الذي ترتب على ذلك.

 ومن القواعد المهمة في هذا السياق كذلك قاعدة (لا يعذر أحد بالجهل بالقانون) فطالما أنه تم نشر القانون فهو ملزم لجميع المكلفين ولا يمكن لأي شخص أن يتذرع بجهله أو عدم علمه بهذا القانون، لأن نشره يعني العلم الافتراضي لجميع أفراد المجتمع دون تمييز بينهم حتى لو كان الشخص أميا لا يقرأ ولا يكتب، فمن المستحيل عملياً أن يتم إبلاغ كل شخص على حدة عند صدور أي قانون... لذا تعد الثقافة القانونية وثقافة الحقوق والواجبات وآلية حمايتها والاستعانة بأهل الاختصاص هو السبيل الآمن لحماية الحقوق والمصالح من الضياع أو التفريط.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-