أخر الاخبار

التنفيذ المعجل القانوني في المادة الأسرية في التشريع المغربي

 

التنفيذ المعجل القانوني في المادة الأسرية
التنفيذ المعجل القانوني في المادة الأسرية 


القاعدة المعمول بها في التشريع المغربي هي أن الأحكام الغير الحائزة لقوة الأمر المقضي به ليست لها قوة تنفيذية، فما دام الحكم قابلا للطعن فيه بالتعرض أو بالاستئناف فإن قوته التنفيذية تبقى معطلة حتى يحوز قوة الأمر المقضي به، إلا أنه استثناء من هذا القاعدة ونظرا إلى أن تأخير تنفيذ الحكم حتى يحوز قوة الأمر المقضي به قد يضر في بعض الحالات بمصلحة المحكوم له ضررا بليغا، أجاز المشرع تنفيذ الحكم رغم عدم حيازته لقوة الأمر المقضي به وهو ما يسمى بالنفاذ المعجل، والحكم الذي ينفذ تنفيذا معجلا فإنه يضفي حماية مؤقتة للمحكوم له إلى أن يفصل فيه الاستئناف المرفوع ضده، فإذا تأيد حكم المحكمة أصبح التنفيذ الذي تم ثابتا، أما إذا ألغي الحكم ألغي ما تم تنفيذه وأعيدت الحالة إلى ما كانت عليه، وينقسم هذا التنفيذ إلى قسمين رئيسين هما تنفيذ معجل بقوة القانون وتنفيذ معجل بحكم القضاء

12834_0[1]
والتنفيذ المعجل بقوة القانون لا يقصد بهذه التسمية أن هذه الحالة نص عليها القانون فكل حالات التنفيذ المعجل نص عليها القانون، وإنما يقصد بذلك أن الحكم في هذه الحالات يستمد قوته التنفيذية من نص القانون مباشرة دون تدخل من القاضي، وينبني على ذلك أنه لا حاجة للمحكوم له أن يطلب من المحكمة شمول الحكم بالنفاذ المعجل


انطلاقا من هذا التعريف يتضح أن التنفيذ المعجل بقوة القانون يتميز بمجموعة من المميزات حيث أنه نفاذ لا يحتاج إلى أن يطلبه المحكوم له أو تصرح به المحكمة، كما أنه لا يحكم بكفالة مالم يوجد نص خاص (الفصل147 من ق.م.م)، والكفالة هي الضمان في حالة إلغاء الحكم الذي كان سندا له، ويأخذ القانون المغربي بالكفالة العينية لذا فإن اشتراطها في النفاذ المعجل بقوة القانون يعوق تحقيق الحماية المرجوة منه، ولا يوجد نص خاص وارد بالنسبة لجميع حالات النفاذ المعجل للإعفاء منها أو إقرارها لذا لابد من اللجوء إلى مفهوم المخالفة لاستنتاج هذا الإعفاء من بعض النـصوص وأبرزها الفصـل 153 من ق.م.م، وكذلك الفقــرة الأخيـرة من الفــصل 147 من ق.م.م، ويتميز التنفيذ المعجل بقوة القانون بعدم جواز إيقافه على الإطلاق، وهو ما يستنتج من الفقرة الأخيرة من الفصل 147 من ق.م.م، إلا أن هذا المنع البات بالنسبة للإيقاف إنما يسري في حق النفاذ المعجل القانوني متى كان واردا على وجه صحيح فلو أن الأمر كان مجرد خطأ في الحكم كما لو وصف بأنه استعجالي وهو غير كذلك، فليس هناك ما يمنع محكمة الطعن أن تصحح وتأمر بإيقاف التنفيذ تبعا لذلك,


ومن بين الحالات المتمتعة بالنفاد المعجل بقوة القانون نجد الأحكام المتعلقة بمادة النفقة حسب الفصل 179 مكرر من ق.م.م حيث جاء فيه:" يبت في طلبات النفقة باستعجال وتنفذ الأوامر والأحكام في هذه القضايا رغم كل طعن، ريثما يصدر الحكم في موضوع دعوى النفقة للقاضي أن يحكم بنفقة مؤقتة لمستحقيها في ظرف شهر من تاريخ طلبها مع اعتبار صحة الطلب والحجج التي يمكن الاعتماد عليها، وينفذ هذا الحكم قبل التسجيل وبمجرد الإدلاء بنسخة منه"


وبالتالي فإن دعوى النفقة سواء نفقة الزوجة أو الأصول أو الفروع يبت فيها بشكل استعجالي وينفذ الحكم الصادر فيها تنفيذا معجلا،وهو ما ذهبت إليه الأحكام التالية حيث جاء في حكم صادر عن ابتدائية فاس" بناء على المقال الافتتاحي الذي تقدمت به المدعية بواسطة دفاعها إلى كتابة ضبط المحكمة تعرض فيه أنها زوجة للمدعى عليه وأنه طردها من بيت الزوجية وتركها عرضة للضياع والإهمال ملتمسة الحكم على المدعى عليه بأدائه لفائدتها نفقتها بحسب 2000 شهريا... وحيث أن النفاذ المعجل يكون بقوة القانون في مادة النفقة... حكمت المحكمة في الموضوع على المدعى عليه بأدائه لفائدة المدعية نفقتها بحساب 600 درهم شهريا... مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل..."، وفي حكم آخر صادر عن ابتدائية الناظور" بناء على المقال الافتتاحي للدعوى المقدم من طرف المدعية بواسطة دفاعها لدى كتابة الضبط... الذي تعرض فيه أن المدعى عليه زوجها منذ أن أبرم عقد الزواج لم يبادر إلى الدخول بها وأنها تضررت من هذا الوضع ملتمسة إلزامه بالدخول بها والإنفاق عليها حسب 1500 درهما شهريا... وحيث إن دعاوى النفقة مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون... حكمت المحكمة في الموضوع بإلزام المدعى عليه بالدخول بزوجته وفق عرف المنطقة وبأدائه لها نفقتها في مبلغ 600 درهم شهريا... مع شمول النفقة بالنفاذ المعجل..."، وفي حكم صادر عن ابتدائية وجدة جاء فيه:" بناء على المقال الافتتاحي للدعوى المقدم من طرف الجهة لدى كتابة ضبط هذه المحكمة والذي تلتمس فيه المدعية الحكم على المدعى عليه بأدائه لها نفقتها ونفقة ابنها بحسب 1000 درهم شهريا لكل واحد منهما وبإفرادها بسكن خاص بها...وحيث أن الأحكام القاضية بالنفقة تكون مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون... حكمت المحكمة في الموضوع بأداء المدعى عليه للمدعية نفقتها ونفقة ابنها حسب مبلغ 500 درهم شهريا لكل واحد منهما... مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل...."


وبالرجوع لنصوص مدونة الأسرة نجدها تؤكد الطابع الاستعجالي لقضايا الأسرة حيث جاء في المادة 190 من م.أ في فقرتها الثانية:" يتعين البت في القضايا المتعلقة بالنفقة في أجل أقصاه شهر واحد". وعليه نلاحظ أن كل من الفصل 179 من ق.م.م والمادة 190 من م.أ نصت على هذا القيد الزمني وهو أجل شهر، إلا أن اتجاها يرى أن ما قصده المشرع في الفصل 190 من م.أ ليس هو الشيء نفسه الذي قصده في الفصل 179 من ق.م.م، حيث أن المادة 190 من م.أ عندما حددت أجل شهر للبت في القضايا المتعلقة بالنفقة لم تحدد التاريخ الذي يعتد به لاحتساب بداية الأجل هل من تاريخ تسجيل الدعوى أو من تاريخ تجهيز القضية أي بعد استنفاذ كل الإجراءات وهو يتحدث عن البت بحكم قاطع في الموضوع وليس كإجراء وقتي كما هو منصوص عليه في الفصل 179 من ق.م.م، حيث أن هذا الفصل يتحدث عن الحكم داخل أجل شهر ابتداء من تاريخ تقديم الطلب وكإجراء وقتي يصدر ابتداء بشكل مؤقت قبل الحسم نهائيا في موضوع الدعوى، والإجراء الوقتي كما هو معلوم يمكن أن يصدر بدون استدعاء الخصم وبغض النظر عن كون الملف جاهزا أم لا,


وبالرجوع إلى الواقع العملي نجد أن هناك دعاوى متعلقة بالنفقة تجاوزت أجل شهر بكثير ففي حكم صادر عن ابتدائية الرباط جاء فيه:" بناء على المقال الافتتاحي الذي تقدمت به المدعية بواسطة دفاعها... بتاريخ 30/05/2007 والذي تعرض من خلاله أنها زوجة شرعية للمدعى عليه... ملتمسة الحكم عليه بأدائه لها واجب نفقتها بحساب مبلغ 2000 درهم شهريا... ونفقة الأبناء بحساب مبلغ 1000 درهم لكل واحد...."، ولقد صدر الحكم بتاريخ 28/5/2008. وكذلك في حكم صادر عن ابتدائية فاس:"بناء على المقال الافتتاحي للدعوى الذي تقدمت به المدعية بتاريخ 4/1/2008...تعرض فيه أنها زوجة المدعى عليه الذي قام بطردها من بيت الزوجية...تاركا إياها وابنها عرضة للضياع والإهمال ملتمسة الحكم عليه بأدائه لها نفقتها ونفقة إبنها بحساب 1000 درهم لكل واحد منهما..."، وصدر الحكم بتاريخ 30/04/2008. وفي حكم صادر عن ابتدائية وجدة " بناء على المقال الافتتاحي للدعوى الذي تقدمت به المدعية... بتاريخ 20-02-07، تلتمس فيه بأداء واجب نفقتها بحسب 800 درهم..."، إلا أن الحكم صدر بتاريخ 28-08-08.


وعليه فإن المشرع المسطري كان منطقيا أكثر من المشرع الأسري حيث سمح للقاضي بأن يحكم بنفقة مؤقتة كإجراء وقتي قبل البت في الموضوع وذلك تلافيا لأي صعوبة أو مماطلة يمكن أن تواجه صدور الحكم بهذه النفقة.


كما أن القضاء المغربي يجعل الأحكام القاضية بإيقاف نفقة الزوجة الناشز، مشمولا بالنفاذ المعجل بقوة القانون ومصدره ما كانت تنص عليه مدونة الأحوال الشخصية الملغاة في الفصل 123 والتي حلت محلها المادة 195 من م.أ حيث أن الاجتهادات القضائية بالمغرب تواترت على الاستئناس بالفصل 123 من م.ح.ش فيما يرجع للحكم بالنفقة واعتمدته لتأسيس النفاذ المعجل للأحكام الصادرة الآمرة بها في إطار الأحوال الشخصية للمسلمين، لكن الحقيقة بعكس ذلك حيث أن مقتضيات الفصل المذكور لا تنظم النفاذ المعجل للحكم الآمر بالنفقة بل للحكم القاضي بإيقافها,


وهو ما يسير عليه العمل القضائي حيث جاء في حكم صادر عن ابتدائية مراكش:"... وحيث أن المدعي استصدر حكم رقم... على المدعى عليها قضى برجوعها إلى بيت الزوجية وامتنعت عن تنفيذه، ملتمسا الحكم بإسقاط نفقتها مع النفاذ المعجل... وحيث أنه طالما أن المدعى عليها امتنعت عن الرجوع... وحيث أن نفقة الزوجة لا تسقط بمضي المدة إلا إذا حكم عليها بالرجوع إلى بيت الزوجية وامتنعت حسب المادة 195 من م.أ مما يبرر سقوط نفقتها إلى حين رجوعها لبيت الزوجية مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل .




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-