أخر الاخبار

الجهوية المتقدمة “بحث”

 

مقدمة

إذا كان النظام الجبائي المحلي يقصد به مجموعة الضرائب والرسوم المستحقة لفائدة الجماعات الترابية وهيآتها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فإن أهم ما ميز هذا النظام بالمغرب هو مروره من عدة محطات سواء قبل الحماية، أو خلالها او بعد حصول المغرب على الاستقلال، نظرا لمتطلبات كل مرحلة على حدة. ولعل قانون 47.6 هو آخر قانون منظم للجبايات المحلية مازال الاعتماد عليه إلى حد الآن منذ دخوله حيز التنفيذ في الفاتح من يناير 2008.

بيد أنه سرعان ما دخل المغرب في ورش كان الأول من نوعه، استمرار في الإصلاحات التي عرفها مسلسل اللامركزية ببلادنا. وذلك بإرادة ملكية سامية، تمثل هذا الورش في مشروع الجهوية المتقدمة، استجابة ومواكبة لما تطلبته مرحلة المغرب الجديد، حيث قام الملك بتعيين لجنة استشارية في الثالث من يناير سنة 2010، وكلفها بإعداد تقرير حول المشروع والنظر في امكانية تنزيله على أرض الواقع، قصد ترسيخ جهوية متقدمة لتحقيق تنمية شاملة ومتوازنة وتعزيز الديمقراطية المحلية والحكامة الترابية والمنظومة الجبائية ليست استثناء من هذا المشروع .

 

إلا ان الاشكال الذي يبقى مطروحا هنا، هو ما مدى استجابة قانون 47.06  لمشروع الجهوية المتقدمة؟

- أليس من شأن فارق الوجود أن يكون وحده كفيل بالبث في عدم الاستجابة ؟ علما أن قانون 47.06 كان سابقا لمشروع الجهوية المتقدمة زمنيا؟ أم أن اشكاليتي التقطيع الترابي ومكانة الجهة كجماعة ترابية مهمة يمكن ان تزيد من حدة عدم الاستجابة ؟

هذا ما سنحاول الإجابة عنه في موضوعنا هذا المتواضع وذلك من خلال مبحثين سنخصص الأول لدراسة مظاهر عدم الاستجابة: من حيث الوجود. والثاني سنتناول فيه إشكالية التقطيع الترابي و إشكالية مكانة الجهة كمظاهر لعدم الاستجابة.

 

4578179-6855003[1]

 

*المبحث الأول: مظاهر عدم الاستجابة: من حيث الوجود.

 

بما أن القانون 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات الترابية سابق لمشروع الجهوية المتقدمة فسنتطرق لإطاره الزمني و أسباب صدوره في المطلب الأول ثم لمشروع الجهوية المتقدمة في المطلب الثاني.

 

المطلب الأول : الإطار الزمني لقانون 47.06 .

 

إن المنظومة الجبائية المغربية مرت عبر مجموعة من المراحل، كان آخرها قانون 47.6. ولقد عجلت بصدوره الإكراهات و الصعوبات التي عرفها القانون الذي كان قبله رقم 89.30. حيث جاء (قانون 47.06) لتعزيز اللامركزية بالمغرب و لتجاوز الإختلالات و الثغرات المتعددة و لتمكين الجماعات الترابية من التوفر على منظومة جبائية أكثر نجاعة تضمن مسايرة التوجهات العامة لمختلف الإصلاحات التي انخرط فيها المغرب و ذلك من خلال تبني مجموعة من الأهداف تتمثل في تبسيط الجبايات المحلية و تحسين مردوديتها و تبسيط المساطر الجبائية كما يمكننا القول أن قانون 47.06 المتعلق بالجبايات المحلية جاء ضرورة أملتها ظروف الواقع الذي عايشه النظام الجبائي المحلي بمختلف المشاكل و التحديات التي واكبت تطبيق القانون رقم 89.30.

 

المطلب الثاني : الاطار الزمني لمشروع الجهوية المتقدمة.

يعتبر ترسيخ الديمقراطية و دعم حقوق الانسان و توسيع الحريات العامة و الفردية من أساسيات مشروع المجتمع العصري الديمقراطي و المتضامن الذي تبناه الملك (محمد السادس) حيث سجل المغرب في هذا الشأن تقدما كبيرا خلال السنوات الأخيرة و قد عمل المغرب منذ فجر الإستقلال على تطوير تجربته في اللامركزية و التي عرفت إصلاحات متواصلة.

و قد أكد المغرب عزمه خلال سنة 2009 على مواصلة الإصلاحات الرامية إلى تطور اللامركزية من خلال تعديل جديد في الميثاق الجماعي و هنا أتى مفهوم الجهوية المتقدمة كبديل ديمقراطي جاء به الملك ولأول مرة في خطابه ليوم 3 يناير 2010 قصد تجاوز الإختلالات التي عرفها تدبير الشأن المحلي وقصد النهوض بالجهات لممارسة حقها الديمقراطية في تدبير شأنها المحلي ومنحها استقلالا ماليا حقا يخولها القيام بالاختصاصات الجديدة لها أيضا رغبة في وضع أسس لما هدفه الانسجام الجغرافي و الاقتصادي لخلق وحدة التوازن و التكافل و التضامن.

لكل هذا عينت لجنة استشارية تقوم بدراسة هذا المفهوم الجديد للجهوية كمشروع و مدى امكانية تنزيله على أرض الواقع إذ اقترحت هذه الأخيرة مجموعة من الإقتراحات تعتبر بمثابة تقرير أخد بعين الاعتبار كل المعطيات في سرد و إعداد هذا المشروع.

 

*المبحث الثاني : اشكالية التقطيع الترابي و مكانة الجهة كمظهر من مظاهر عدم الاستجابة.

 

إضافة إلى اعتبار أن وجود قانون 47.06 قبل مشروع الجهوية المتقدمة زمنيا كان مظهرا واضحا في عدم استجابة القانون للمشروع. فإنه و مما لاشك فيه أن التقطيع الترابي الجديد الذي جاء به مشروع الجهوية المتقدمة سيكون مظهرا من مظاهر عدم الاستجابة أيضا , دون غض النظر عن مكانة الجهة.

 

المطلب الأول: اشكالية التقطيع الترابي.

 

لقد عرف التقطيع الترابي بالمغرب تطورا ملحوظا منذ الاستقلال فإذا نظرنا إلى التقسيم الجهوي لسنة 1971 نجده قد قسم المجال الترابي إلى 7 جهات اقتصادية. و لقد كان لمبدأ التكامل داخل الجهة الواحدة المعتمد في هذا التقطيع حضورا كبيرا يحتل مكانة الأولوية بحيث جعل لكل جهة نصيبا من مختلف مظاهر الجغرافية( السهل , الجبل , الساحل …) و كان ذلك في ظروف ولت, كانت مطبوعة بقلة الوسائل و باقتصاديات منغلقة نسبيا تسيطر عليها المبادلات المحلية. أما اليوم فإن هذه الاعتبارات تلاشت، نظرا للانفتاح الاقتصادي و للعولمة و لتطور بنيات التواصل بين البشر و تنقل الخيرات و الأفكار,هذا ما أدى إلى اللجوء إلى تقسيم ترابي جديد تجلى في تقسيم 1997 و الذي جاء هو الأخير بمعايير لتقسيم المجال تقسيما جديدا يتخطى التقسيم المعتمد آنذاك و يساير المرحلة إلا أنه و مع تطور مسلسل الاصلاحات بالمغرب و بعد دخول مفهوم الجهوية المتقدمة حيز الوجود رأت اللجنة الاستشارية المكلفة بإعداد تقرير حول المشروع أن هذا التقسيم لم يعد يواكب المرحلة خصوصا و أننا بصدد إدخال هذا الورش-أي الجهوية المتقدمة- حيز التنفيذ بحيث اعتبرت أن التقطيع الترابي يشكل جانبا أساسيا من مشروع الإصلاح الجهوي ,أي الوصول إلى جهات داعمة للاستمرار متماسكة و مستقرة تقام على أعلى المعايير وجاهة, و الحالة هذه فإن تقطيع سنة 1997 يبدي بعض المشاكل من حيث وجاهة المعايير المعتمدة فيه و بالتالي من حيث تماسك الكيانات الترابية الناجمة عنه و كذا من حيث قابليتها للاستمرار و بالتالي اقترحت مراجعة هذا التقسيم و تصحيح الاختلالات التي تعد من بين الأولويات الأساسية لتقوية آلية التواجد و اعتمد التقسيم 12 جهة مراعيا في التقطيع النقط الأساسية التالية:

- تقطيع ترابي يلائم الأهداف التنموية البحتة.

– مراعاة التجانس وسيادة منطق التنمية و سيطرته.

– القضاء على التفاوتات المجالية و تحريك الاقتصاد الجهوي.

– توافر مجال ترابي متجانس بمكوناته الترابية.

و بهذا تكون اشكالية التقطيع الترابي تمثل وجها أو مظهرا من مظاهر عدم استجابة القانون 47.06 لمشروع الجهوية المتقدمة بحيث أن القانون وضع في أرضية مقسمة تقطيعا ترابيا اعتبره مشروع الجهوية المتقدمة تقطيعا متجاوزا و بالتالي يستحيل أن تتحقق الإستجابة.

 

المطلب الثاني: مكانة الجهة كمظهر من مظاهر عدم الاستجابة.

إذا كان من شأن التقطيع الترابي الجديد الذي جاء به مشروع الجهوية المتقدمة يختلف عن ذلك المعتمد عند وضع قانون 47.06 أن يكون مظهرا من مظاهر عدم استجابة القانون للمشروع فإن مكانة الجهة كجماعة ترابية في الوقت الذي وضع في قانون 47.06 أيضا لم تكن هي المكانة التي منحها إياها مشروع الجهوية المتقدمة، بحيث كانت الجهات دائما ضحية القوانين المنظمة للجبايات نظرا لما تعانيه المجالس الجهوية من ضعف حجم المداخيل مع العلم أنها هي من تشكل الإطار الخاص للتنمية على المستوى المحلي.هذا ما جعل اللجنة الإستشارية للجهوية المتقدمة تعلي بمكانة الجهة كجماعة ترابية تقوم بالدور الأساس في التنمية و فضاء رئيسي لبلورة السياسات العمومية في بعدها الجهوي فموازاة مع الاختصاصات المنوط بها، سواء منها الذاتية أو المنقولة المتعلقة أساسا بالتشغيل و النهوض بمحيطها الترابي، و التكوين المهني و دعم المقاولات ….، ينبغي توفير موارد مناسبة لتلبية حاجيات الجهة حتى تقوم بوظائفها على أكمل وجه, فالجهوية المتقدمة تستوجب الزيادة في الموارد المرصودة للمجالس الجهوية من قبل الدولة بشكل ملموس لكي تتمكن من إنجاز أعمال في مجال التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية, يتعين الرفع من عائدات الضرائب و الرسوم المرصودة من طرف الدول بمجالس الجهوية برفعه من الحصة المرصودة لها من الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات من %1 إلى %5 و اقتسام متساوي بين الدولة و المجالس الجهوية لعائدات رسوم التسجيل و الضريبة السنوية الخاصة على العربات ذات المحرك, ثم تخويل أهلية الإستفادة من عائدات الضريبة على القيمة المضافة, و ستمكن هذه المقترحات من رفع الموارد السنوية الإجمالية للجهات إلى مالا يقل عن 8 ملايين درهم.

و بهذا تكون الجهة تتمتع بسلطة جبائية توفر لها موارد مالية ذاتية قارة تساعدها على تحقيق الاستقلال المالي الفعلي و استقلالية في الضرائب.

 

و خلاصة القول فوضعية الجهة بعد صدور قانون 47.06 بالنظر إلى مواردها المحدودة جدا, لا تتماشى بتاتا مع الهدف الذي رسمه لها مشروع الجهوية المتقدمة.و بالتالي كان ذلك مظهرا حقيقيا عن عدم استجابة القانون 47.06 لمشروع الجهوية المتقدمة لا يقل أهمية عن المظاهر السابقة الذكر.

 

خاتمة

و في الختام, أمكننا القول أنه من البديهي أن لا يستجيب قانون لمشروع وضع بعده بسنوات لأن لكل مرحلة خصوصيتها و متطلباتها إلا أنه تبقى إمكانية الملائمة حاضرة كقاعدة جاءت في تقرير اللجنة الإستشارية للجهوية المتقدمة مفادها ملاءمة نصوص و قوانين تنظيمية و تشريعية تندرج فيها المقترحات المسايرة للدستور الحالي و الواردة في مشروع الجهوية المتقدمة و نظام الجبايات ليست استثناءا من هذه النصوص التي يجب ملاءمتها .

و يبقى السؤال مفتوحا.إلى أي حد سيبقى مشروع الجهوية المتقدمة مشروعا منتظرا لا مكان له في الواقع؟ و متى سيعاد النظر في النصوص التنظيمية و التشريعية التي يجب ملائمتها لمواكبة مشروع الجهوية المتقدمة عند دخوله واقع التطبيق؟

 

بقلم: أسامة حميدون

 

_________________________________

ملاحظـــــــــــة


ليصلك جديد المحاضرات والمواضيع /  قم بالتسجيل في القائمة البريدية من هنـــا




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-