أخر الاخبار

مدى تحقق الشروط في التوقيعين الكتابي والإلكتروني

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله





يشكل التوقيع العنصر الثاني من عناصر الدليل الكتابي المتطلب قانون لمصلحة الورقة العرفية وكذلك بالنسبة للورقة الرسمية، وهو ما يؤكده الفصل 426 من قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي ينص على أنه: << يسوغ أن تكون الورقة العرفية مكتوبة بيد الشخص الملتزم بها بشرط أن تكون موقعة منه، ويلزم أن يكون التوقيع بيد الملتزم وأن يرد في أسفل الورقة، ولا يقوم الطابع أو الختم مقام التوقيع، ويعتبر وجوده كعدمه>>.
يذهب الأستاذ Gerve Croze إلى أن اصطلاح التوقيع يستعمل بمعنيين: الأول أنه عبارة عن علامة أو إشارة تسمح بتمييز شخص الموقع، والثاني هو فعل أو عملية التوقيع ذاتها، بمعنى وضعه على مستند يحتوي معلومات معينة، ويعتبر المعنى الأول هو المعنى المقصود بالتوقيع في نطاق الإثبات ومن هذا التعريف يمكن استخلاص عناصر التوقيع الجوهرية وهي أن يكون علامة خطية وشخصية لمن ينسب إليه المحرر، ثم أن يترك أثرا متميزا يبقى ولا يزول.1
والتوقيع إما أن يكون خطيا، وإما أن يكون بالبصمة ختما أو إصبعا، فالتوقيع الخطي يكون بيد من ينسب إليه المحرر بحيث يقوم محدد لشخصية الموقع حتى ولو لم يكتب المحرر بخط يده، وتجدر الإشارة على أن المشرع المغربي قد حصرا التوقيع في الإمضاء باليد على خلاف بعض التشريعات الأخرى التي أتاحت إمكانية التوقيع باليد أو بالختم أو ببصمة الأصبع كالمشرع المصري.
 أما التوقيع الإلكتروني أو الرقمي فهو إجراء معين يقوم به الشخص المراد توقيعه على المحرر سواء في الأمر بأن يحتفظ بالرقم أو الشفرة بشكل آمن ويسري بمنع استعماله من قبل الغير، ويعطي الثقة في أن صدوره يفيد أنه بالفعل صدر من صاحبه.
وتكمن وظيفة التوقيع الإلكتروني في وظيفتين أساسيتين:
أ- أن التوقيع الرقمي يثبت الشخص الذي وقع الوثيقة بانصراف إرادته إلى الالتزام بما وقع عليه.
ب- أن التوقيع الرقمي يحدد الشيء أو الوثيقة التي تم توقيعها بشكل لا يحتمل التغيير.2
والسؤال الذي يثار هنا، هو هل يحقق التوقيع الرقمي نفس الوظيفة التي يحققها التوقيع العادي؟
ويرجع هذا التساؤل إلى الخصائص المادية الفريدة التي يتميز بها التوقيع الالكتروني بالمقارنة بالتوقيع التقليدي الذي يضعه الشخص بخط يده على المحرر الكتابي الذي يتم تهيئته ليكون دليلا في الإثبات.
ولعل أهم الأسباب التي تدعو إلى التشكك في قيمة التوقيع الالكتروني ترجع إلى انفصال هذا النوع من التوقيع عن شخصية صاحبه وإمكان تكراره بدون موافقته أو عمله إذا لم يتم استخدام تقنيات تكنولوجية معقدة من أجل تأمينه.
كذلك فإن هذا التوقيع وحتى برفض استيفائه لذات الخصائص التي يتمتع بها التوقيع التقليدي لن يرتبط ارتباطا ماديا بالمحرر الكتابي الذي تتم تهيئته كدليل للإثبات إلا إذا وجدت تقنية تكفل ذلك يعترف بها القانون ويعتمدها القضاء، وفي ضوء ذلك فإن جانبا كبيرا من الفقه قد رفض اعتبار التوقيع الإلكتروني مماثلا للتوقيع التقليدي بخط اليد، رغم أن اختلاف التوقيعين يكمن في الوسيلة وليس في الهدف أو الوظيفة المبتغاة منه، وهو بذلك – التوقيع الإلكتروني- شأنه في ذلك شأن التوقيع التقليدي يصدر عن صاحبه للإفصاح عن شخصيته والتعبير عن إرادته بقبول التصرف الذي يتم التوقيع عليه والالتزام بما يرد فيه من شروط.
وهكذا فإن وجه الاختلاف الوحيد بينهما يكمن في مدى تحقيق التوقيع للثقة التي يبني عليها المشرع حجية التوقيع في الإثبات، فإن توفرت ذات الثقة في التوقيع الإلكتروني فإنه يتساوى مع التوقيع التقليدي في حجيته في الإثبات، وتتعدد هذه الثقة في نوع التكنولوجيا المستخدمة في تأمين التوقيع1. وذلك بالاعتماد على أدوات ووسائل التشفير بالمفتاح العمومي، وعلى إصدار شهادات مصادقة الكترونية من هيئات معترف بها يطلق عليها اسم الشخص الثالث المصادق ويمثل هذا الطرف الثالث المحايد في أفراد أو شركات أو جهات مستقلة محايدة تقوم بدور الوسيط بين المتعاملين لتوثيق تعاملاتهم الالكترونية، ودولارها بالإضافة على إصدار شهادات التوثيق بتحديد هوية المتعاملين في التعاملات الالكترونية، وتحديد أهليتهم القانونية للتعامل والتعاقد، والتحقق من مضمون هذا التعامل، وسلامته وكذلك جديته وبعده عن الغش والاحتيال.
كما تقوم أيضا بإصدار المفاتيح الالكترونية سواء المفتاح الخاص الذي يتم بمقتضاه تشفير التعاملات الالكترونية، أو المفتاح العام الذي ليتم بواسطته فك التشفير وقد أسند – مثلا- قانون المعاملات والتجارة الالكترونية لإمارة دبي أعمال المصادقة الالكترونية إلى "مراقب لخدمات التصديق" الذي يتم تعيينه بقرار من رئيس سلطة منطقة دبي الحرة للتكنولوجيا والتجارة الالكترونية والإعلام2.  
لهذا فإن التوقيع الالكتروني يتفوق على التوقيع التقليدي بالنظر إلى أن استيفاء من شخصية صاحب التوقيع يتم بشكل روتيني في كل مرة يتم فيها استخدام الرقم السري أو المفتاح الخاص، وبالتالي فإنه لا مجال للانتظار حتى يحدث النزاع للبحث في مدى صحة التوقيع كما هو الشأن في أغلب الأحوال بالنسبة للمحررات الموقعة بخط اليد3.
إلا أن الإشكال يثار حول قدرة التوقيع الالكتروني في التعبير عن إرادة صاحبه في الرضاء بالتعاقد والقبول بالالتزام، حيث يرى جانب من الفقه أنه لا يجوز معادلة التوقيع اليدوي بالتوقيع الالكتروني، إذ يتعذر التثبت من حضور الموقع ومن وجوده المادي فعليا وقت التوقيع، وهو عنصر أساسي في التوقيع اليدوي فلا يمكن مثلا التأكيد على أن من يوقع الكترونيا بعد من وراء الجاني الآلي هو بالفعل الشخص ذاته الذي عرف عن هويته إذ لا يوجد أي تأكيد قاطع حول هوية الموقع حين لا يكون هذا الأخير موجودا بشكل مادي وقت التوقيع.1
ولكن وللحيلولة دون وقع ذلك فإنه يتم اللجوء إلى التقنية المستخدمة في تأمين التوقيع الرقمي عن طريق الرقم الخاص المعتمد من طرف جهة التوثيق التي تتولى إصدار المفتاح الخاص ومن أهم أساليب استخدام المفتاح الخاصة للربط بين التوقيع وبين المحرر وتأمينها من التعديل اللجوء إلى التقنية المعروفة باسم "HACHAGE IRREVERISIBLE" والتي يتم من خلالها تحويل المحرر الالكتروني (مثله في ذلك مثل التوقيع) إلى معادلة رياضية لا يمكن فهمها ولا قراءتها إلا بالمفتاح الخاص الذي يتم تسليمه إلى العميل المتعاقد بصفة شخصية تحت رقابة الوسيط المتمثل في جهة التوثيق
وبهذه التقنية فإن المحرر يختلط بالتوقيع على نحو لا يمكن فصله ولا يمكن لأحد غير صاحب المحرر المدون على هذا النحو من التدخل بتعديل مضمونه وبهذا يكون في يد كل طرف من أطراف العقد النسخة المحررة والموقعة من الطرف الآخر، والتي يمكنه تقديمها كدليل كتابي كامل في الإثبات
وبالرغم من هذه الإمكانية في الربط بين المحرر وبين التوقيع وتأمينها من التلاعب فيهما فإننا نتحفظ على ذلك بأن قبول المحرر الإلكتروني بواسطة القاضي كدليل كتابي يقتضي في بادئ الأمر أن يقرر القاضي مدى كفاءة التقنية المستخدمة في استيفاء الشروط التي تؤهل التوقيع للقيام بدوره في الإثبات، وهو ما يضعف من قوة المحرر الإلكتروني ويؤدي إلى تهديد الثقة التي يجب توفيرها للمتعاملين به
وهكذا فبينما يعد المحرر العرفي الموقع دليلا كتابيا كاملا، فإن قبول المحرر الإلكتروني كدليل في الإثبات يخضع للسلطة التقديرية للقاضي، وهو ما يتساوى من الناحية العملية مع قلب عبء الإثبات في شأن صحة الدليل الكتابي
لذلك فلا بد من تدخل المشرع بتحديد التقنيات التي إذا ما تم استخدامها يكون التوقيع الإلكتروني صحيحا، والتي يتحقق بموجبها الارتباط المادي بين التوقيع وبين المحرر الإلكتروني1.


1 : محمد السعيد رشدي: التعاقد بوسائل الاتصال الحديثة ومدى حجيتها في الإثبات، ص 184- 186، منشأة المعارف بالإسكندرية، السنة: 2005
2 : نور الدين الناصري: مدى ملائمة قواعد الإثبات في قانون الالتزامات والعقود المغربي لوسائل الاتصال الحديثة دوليا ووطنيا.
1 : حسن عبد الباسط جميعي: المرجع السابق
2 : إبراهيم الدسوقي أبو الليل: الجوانب القانونية للتعاملات الالكترونية، دراسة للجوانب القانونية للتعامل عبر أجهزة الاتصال الحديثة " التراسل الالكتروني" الطبعة الأولى، السنة 2003، لجنة التأليف والتعريب والنشر، جامعة الكويت
3 : حسن عبد الباسط جميعي: المرجع السابق، ص: 45
1 : محمد أخياط: بعض التحديات القانونية التي تثيرها التجارة الالكترونية، مجلة الإشعاع، عدد 25، صفحة 17، السنة 2000
1  : حسن عبد الباسط جميعي، المرجع السابق، ص: 47-48.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-