أخر الاخبار

إعادة النظر في الالتزامات المرهقة



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

الموضوع: إعادة النظر في الالتزامات المرهقة

إن إعادة النظر في العقود بسبب تغير الظروف يمكن تعريفها بصورة أولية على أنها مراجعة الالتزامات العقدية بإرادة خارجية على التعاقد، تتولى فرض التزامات غير إرادية في مكان الالتزامات الإرادية المتفق عليها، تجد مصدرها في إرادة القضاء أو المشرع. فهي نظرية تذهب في مقابل العقد وتخالف محتواه، وهي رغم تعارضها مع المبادئ التقليدية التي تسود مؤسسة التعاقد نظرية شاملة أخذ بها المشرع المدني في حالات متعددة، كما اعتمدها القضاء في بعض تطبيقاته العملية عند اصطدامه مع الواقع، فكان في عمله مشرعا في تلك الحالات الخاصة والمحددة. 

فإعادة النظر في العقود قد برزت في التشريع المدني من خلال نصوص متفرقة كان الدافع إليها أولا: السياسية التشريعية التي تقوم على إرضاء حاجات معينة أو تحقيق مصلحة عليا اجتماعية واقتصادية، وثانيا مبدأ العدل الذي يتحقق بإقامة الإنصاف والعدالة كأساس في التعامل، والقضاء بتأثير من النزعات الإنسانية وبعض المبادئ غير العقدية لم يتوان عن مراجعة العقد وفرض الالتزامات على الإرادة، وإن كان يعتمد في حلوله أسلوبا يتولى إخفاء تلك العملية تحت ستار تفسير الإرادة أو إعمال القواعد المدنية، لما تنطوي عليه من معالجة للعقد بإعادته إلى وضعه الصحيح، وهو ما يقبله المنطق وما لا تقبله الذهنية التقليدية في التشريع المدني.
وهذه النظرية ليست في حقيقتها القانونية إلا صورة من صور إعادة النظر في  العقود، تهدف إلى تعديل العقد برد توازنه الذي فقد إلى حده المعقول.
فهي تفترض، كما يقول الأستاذ كاربونييه[1]، عقدا يتراخى أجل تنفيذه في الزمن، تحددت التزاماته على أساس الظروف الاقتصادية[2] المحيطة وقت التعاقد. إلا أن تلك الظروف تتغير تغيرا جوهريا أثناء العمل بذلك العقد بفعل عوامل غير متوقعة كالحروب والأزمات  الاقتصادية، مما يجعل تنفيذه أكثر إرهاقا لأحد المتعاقدين في مصلحة المتعاقد الآخر، ويحمل على البحث في مسألة مراجعة العقد لرد توازنه بشكله التقريبي. فنظرية تغير الظروف إذن، لا تطرح عند النظرة الموضوعية إلا من هذه الزاوية: زاوية مراجعة العقد بإرادة خارجية.
إن هذا البحث ينحصر في دراسة هذه النظرية (إعادة النظر في الالتزامات المرهقة) والسبب في اختيار هذه الدراسة يتمثل في أمرين: 
الأمر الأول: أن البحث في نظرية إعادة النظر في العقود بسبب الظروف الطارئة يمكن من إلقاء الضوء على وضعيتين: إعادة النظر في العقود والظروف الطارئة، وفي ذلك فائدة قانونية وعملية رئيسية، فإعادة النظر في العقود  أضحت نظرية ملحة على ضوء التقلبات المستجدة في الظروف الاقتصادية، تنعكس بنتائجها على التعامل وعلى العقود بصفة خاصة[3]، والظروف الطارئة أضحت بتأثير مختلف العوامل الاقتصادية والطبيعية والإدارية المؤثر الأساسي في التوازن العقدي، تستدعي على وجه الضرورة تدخلا خارجيا في التعاقد، تبعا لأهمية ما تخلفه من اختلال غير مألوف، يترك آثارا على الأوضاع الخاصة للمدنيين والعامة للاقتصاد.   
الأمر الثاني: يتمثل في كون هذه الدراسة تحمل على معالجة النتائج السلبية التي تخلفها الظروف الطارئة في التعامل، والبحث عن وسيلة علاجية لتلك الحالة، بحث في مختلف القواعد والمبادئ العقدية وغير العقدية التي قد تعتمد كسبب يبرر التعديل العقدي تحقيقا للتوازن التقريبي وإن لم يكن الكلي بين الالتزامات سواء التعاقدية أو السابقة على التعاقد، وقد يكمن وراء تلك القواعد مبدأ جوهري يكون السبب الموجه في اعتماد النظرية ولو كان ذلك بالتجاوز على العقد أو الإرادة التي أوجدته.
لقد حاول البعض اعتبار النظرية من احتكار قانون معين: هو القانون الإداري، تزيد في تعميق الطابع المميز للعقد الإداري وترسيخه، ولكن هل هذا الاحتكار هو مطلق يستبعد بنتائجه كل تطبيق للنظرية في خارج الإطار الإداري من التعاقد؟ وهل الطبيعة القانونية لهذه النظرية تجعل من الأمور المبدئية رفض كل  إعمال للنظرية على العقود المدنية والخاصة من خارج الحالات المنصوص عليها قانونا؟ وهل هذه النظرية في إعمالها لا تشكل نواة لترسيخ فرع جديد في القانون أخذ في البروز، فرضته التطورات المستجدة؟

يتبع,,,


[1]- د. سامي بديع منصور: الثبات والتغير في القاعدة القانونية، مكتبة الرازي للخدمات، لبنان، سنة 1995، ص11.
[2] - Carbonnier Jean : Droit civil, Thenis, Tome 4, 1972, n°637, p. 217. 
[3]- عبد الرحمان أسامة : الظروف الطارئة بين النظرية والتطبيق، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، جامعة محمد الخامس، الرباط، سنة1983، ص 5 وما بعدها.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-