أخر الاخبار

علاقة النيابة العامة بالشرطة القضائية من خلال مراقبة المحاضر

.
.
علاقة النيابة العامة بالشرطة القضائية من خلال مراقبة المحاضر
        تعتبر دراسة المحاضر ومراقبة شكلياتها من أهم وسائل مراقبة  النيابة العامة لأعمال الضابطة ألقضائية وذلك بغية التأكد من مدى التزامها بالشروط والشكليات المنصوص عليها في القانون.  

وهكذا فإن المحاضر تعتبر الوسيلة القانونية الأساسية لإثبات التحريات والأبحاث التي تقوم بها الضابطة القضائية للنهوض بأعباء البحث التمهيدي بمعناه الواسع من انتقالات ومعاينات وتفتيش ووضع تحت الحراسة النظرية وتلقي الوشايات والشكايات وأقوال الشهود إلى غير ذلك من أمور البحث، سواء قامت بذلك تلقائيا  أو بناء على تعليمات النيابة العامة. فالمحاضر تعتبر إذن نقطة الالتقاء في العلاقة بين النيابة العامة والضابطة القضائية، ومن تم وجب أن تنجز وفق الشروط والشكليات المتطلبة وبالسرعة والنجاعة اللازمتين، حتى تكتسب الحجية الخاصة والقوة الثبوتية المنصوص عليها في المادتين 289 و291 من ق.م.ج. واعتبارا لهذه الأهمية ونظرا لخطورة النتائج والآثار القانونية المترتبة عن إنجاز المحاضر فقد حرص المشرع المغربي ولأول مرة على تعريفها وتحديد شروطها، وألزم الضابطة القضائية بإحالتها فورا على النيابة العامة مرفقة بالوثائق والمستندات والأشياء المحجوزة المتعلقة بها لاتخاذ ما تراه مناسبا في شأنها.
واذا كان قانون المسطرة الجنائية قد اعطى تعريفا قانونيا للمحضر في المادة 24 منه ٬ فانه لم يحدد شكله . لذلك نلاحظ اختلافا في صياغة شكل المحضر من ضابطة الى اخرى . والحقيقة ان هذا الاختلاف الشكلي تبرره ظروف وطبيعة عمل كل ضابطة قضائية ٬و الذي لايساعد على توحيد شكل المحاضر هو ان قانون المسطرة الجنائية نفسه لم يقرر شكلا محددا او نموذجا معينا للمحضر ٬ خلافا لبعض القوانين الخاصة التي اوجبت ان تصاغ المحاضر وفق شكليات معينة .
وتجدر الاشارة الى انه ينبغي التمييز بين محضر الضابطة وتقرير الضابطة . فهذا الاخير يعتبر وثيقة يضمنها ضابط الشرطة القضائية مجموعة من المعلومات تهم موضوعا معينا ٬ ويمكن ان يضيف اليه رأيه وملاحظاته ٬ كما يمكن ان يطلب بواسطته تعليمات او حلولا٬ ويبقي فقط وسيلة اتصال بين النيابة العامة وضابط الشرطة القضائية.
ونظرا لأهمية وخطورة المحاضر وانعكاساتها على حرية الافراد ٬ فقد احاطها ق.م.ج بضمانات قانونية تتجلي في شروط دقيقة يتعين احترامها من طرف ضابط الشرطة القضائية والموظفين والأعوان المكلفين ببعض مهام الشرطة القضائية وان تتم وفق ما نص عليه القانون ٬ حتى لا تفقد شرعيتها كوسيلة اثبات . ومن هذه الشروط ما هو شكلي وما هو موضوعي وكلها شروط جوهرية .
ا ـ الشروط الشكلية ׃
1 ـ كتابة المحضر وتاريخه ׃ استنادا لمقتضيات المادة 24 من ق.م.ج، فإن المحضر يجب أن يكون مكتويا  والكتابة يجب أن تكون باللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية للبلاد وهي التي يتم بها الترافع أمام المحاكم المغربية بموجب قانون التعريب الصادر بتاريخ 1965 والكتابة هنا يجب أن تكون بأسلوب واضح وبسيط  وخال من الحشو أو الإفراغ أو الكشط أو التداخل. وإذا حدث أي خطأ أو تغيير أو ملاحظة، فيجب تدوين ذلك، والتوقيع عليه من طرف ضابط الشرطة القضائية والشخص المستمع إليه
كما يجب أن يشار إلى تاريخ وساعة إنجاز الإجراء ذلك أن بعض الإجراءات كالوضع تحت الحراسة النظرية والوضع تحت الملاحظ وتفتيش المنازل يشترط أن تكون محددة اليوم والساعة والدقيقة.
وشرط تأريخ المحضر ضروري لعدة اعتبارات كبداية احتساب مدة التقادم وتاريخ ارتكاب الفعل لتحديد سن الرشد الجنائي ولاحترام بعض الآجال الإنذارية كما هو الشأن في جرائم إهمال الأسرة بالنسبة للشخص المهمل (480 من ق.ج) إلى غير ذلك من المقتضيات .
2 ـ صفة محرر المحضر واسمه ׃  لكي يكون المحضر صحيحا يجب أن يشار فيه إلى اتسام محرره بصفة ضابط الشرطة القضائية (م.23 من ق.م.ج) وأن يبين فيه اسمه  الشخصي والعائلي ورتبته، كالإشارة مثلا إلى كونه رقيب أول أو مساعد أو مساعد أول وذلك بالنسبة إلى المحاضر المنجزة من طرف ضباط الشرطة القضائية التابعين للدرك ألملكي أو الإشارة إلى كون محرر المحضر ضابط الشرطة القضائية أو ضابط ممتاز بالنسبة إلى المحاضر المنجزة من طرف مصالح الأمن الوطني أو قائد أو باشا بالنسبة لرجال ألسلطة أو ضابط سامي للشرطة ألقضائية بالنسبة لممثلي النيابة العامة أو قاضي التحقيق كما يتعين أن يبين محرر المحضر المصلحة أو الإدارة التي ينتمي إليها كدائرة كذا للشرطة القضائية أو مركز الدرك الملكي أو قيادة من القيادات أو باشوية أو نيابة عامة بمحكمة كذا...إلخ.
غير أن هناك بعض المخالفات لا تتطلب توفر محررها على صفة ضابط شرطة قضائية كما هو الشأن  بالنسبة للمخالفات المنجزة في إطار بعض القوانين الخاصة كقانون السير وقمع الغش والمعاقبة على السكر العلني حيث ينص الفصل 5 من المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 4/11/1967 على أنه: " يثبت المخالفات لمقتضيات هذا القانون جميع ضباط الشرطة القضائية والأعوان وأعوان القوة العمومية ويحررون بشأنها محضر".
3 ـ التوقيع ׃ من البيانات اللازمة التي نصت عليها المادة 24 من ق.م.ج توقيع ضابط الشرطة القضائية على المحضر باعتباره الوسيلة المثبتة لصدوره عنه، وبالتالي اتسام المحضر بالصيغة الرسمية المترتبة عن انتماء الموظف (محرر المحضر) إلى هيئة عمومية كما نصت المادة 69 من ق.م.ج على توقيع كل ورقة من أوراق المحضر في حالة التلبس. والعبرة من ذلك أن الإجراءات موضوع المحاضر التي يقوم بها ضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس تكون مختلفة ومتعددة وتتضمن تدابير صارمة وقسرية أحيانا كالتفتيش  والحجز رغما عن إرادة المعني بالأمر والوضع تحت الحراسة ولو دون إذن مسبق من النيابة العامة، وبالتالي يجب توقيع كل ورقة من أوراق المحضر لكي يكون صحيحا ومثبتا لصدوره من طرف محرره.

ب ـ الشروط الموضوعية ׃
إن الشروط والبيانات الشكلية المتعلقة بمحرر المحضر المتحدث عنها لا تكفي لتحقيق الغاية المتوخاة من إنجازه حتى يلعب دوره القانوني دون أن تتوفر في محرره شروط أخرى أهمها الموضوعية والحياد.
ومفاد ذلك أنه يتعين على ضابط الشرطة القضائية أن يضمن في المحضر ما عاينه أو ما قام به من عمليات وما تلقاه من تصريحات دون زيادة أو نقصان. كما أنه لا يمنع على ضابط الشرطة القضائية بسبب تنوع وتعقيد المهام التي يقوم بها أثناء مرحلة البحث من الاستعانة بأعوان الشرطة القضائية في حدود ما يسمح له به القانون من صلاحيات (المادة 25 من ق.م.ج).
كما لا يجوز أن يعطي تقييما للوقائع أو التصريحات أو أن يبدي رأيه الشخصي في النازلة إلى حد إعطائها تأويلا قانونيا لأن هذه العملية ليست من اختصاصه.
إلا أن ما جرى به العمل أن ضباط الشرطة القضائية يلجأ ون دائما إلى إعطاء تكييف قانوني بطرة المحضر المحال على النيابة العامة.
وقد أثبتت التجربة أن معظم المحاضر التي ينجزها بعض ضباط الشرطة القضائية، وخاصة رجال السلطة (والباشوات والقواد)، لا تتوفر على الشروط الشكلية والجوهرية المتطلبة قانونا سواء بالنسبة للشخص المستمع إليه (حيث يلعب تحديد هويته دورا مهما في الخصومة الجنائية) أو بالنسبة لشرط الموضوعية والحياد في تحريرها، فغالبا ما تتضمن هذه المحاضر تصريحات جماعية ومبهمة للمشتكين أو المشتكى بهم أو الشهود وتدوينها على شكل سؤال وجواب دون ذكر تاريخ ومكان الوقائع..إلخ.
وأمام هذا الوضع أصبحت النيابة العامة مضطرة في معظم الأحوال إلى إرجاع هذه المحاضر إلى مصالح أخرى للشرطة القضائية (الأمن الوطني أو الدرك الملكي) قصد إتمام البحث في نقط معينة، أو الاستماع إلى الأشخاص بشكل مستقل، أو الاستماع لباقي ألأطراف إن لم نقل إعادة البحث من جديد واعتبار المحضر بمثابة تبليغ عن وقائع، وهذا يشكل إضرارا بمصالح الأشخاص  وكذا إهدارا لمجهودات محرر المحضر نفسه والنيابة  العامة والشرطة القضائية، ناهيك عن التجاوزات والخروقات من الاعتقالات التعسفية والاعتداءات الجسدية وغيرها.
خاصة وأنهم لا يخضعون من الناحية العملية لأية مراقبة قضائية أو إدارية في هذا الشأن.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-