أخر الاخبار

الاثبات في العقد الالكتروني في التشريع المغربي -الجزء الثاني-

المبحث الثاني: تطور التشريعي المغربي نحو الأخذ بالتقنيات الحديثة
في مجال إثبات العقود


_________

متوفر أيضاا: 
و
ليصلك جديد مواضيع المدونة/  قم بالتسجيل في القائمة البريدية من هنـــا
___________________



إن التشريع المغربي وعلى غرار غيره من التشريعات المقارنة، لم يقف موقفا سلبيا من التطورات التي عرفتها نظم الإثبات، في ظل ثورة المعلومات وشيوع التقنيات الحديثة، والذي ساعد على ذلك هو تشبه لنظام الإثبات المختلط الذي يعطي للقاضي حرية التقدير بالنسبة للأدلة التي لم يجد لها القانون حجية معينة فهذه المرونة تضمن حسن سير العدالة وتوفر للمعاملات نوعا من الاستقرار، وتفسح المجال مبدئيا أمام إمكانية الأخذ بمستجدات التقنيات الحديثة في إثبات العقود لا سيما العقود الالكترونية.

والواقع أنه باستقراء بعض القوانين الخاصة نجد المشرعالمغربيقد كان على قدر من الجرأة من خلال اعتماده على التقنيات الحديثة في الإثبات وإن كانت هذه المبادرة قد تصطدم أحيانا ببعض الأسس والمبادئ التي تفرضها قواعد الإثبات التقليدية المنظمة في قانون الالتزامات والعقود في الوقت الذي نجد فيه تشريعات أخرى وعلى رأسها القانون الفرنسي قد تثبت قواعد مضبوطة لإثبات العقد.

فنبحث أولا موقفالتشريعالمغربيوالتشريعات المقارنة من التقنيات الحديثة في مجال إثباتالعقدالالكتروني(المطلب الأول)، قبل أن نستخلص حدود استيعاب القواعد العامة، لإثبات العقود الالكترونية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: موقفالتشريع المغربي والتشريعات المقارنة من التقنيات في مجال إثبات العقدالالكتروني

الفقرة الأولى: موقف التشريعات المقارنة

أولا:التشريع الفرنسي

استجابة منه لمتطلبات التعامل بوسائل الاتصال الحديثة تدخل المشرع الفرنسي بموجب القانون 80/525 المدني خاصة الجانب المتعلق بوسائل إثبات الوسائل القانونية فتبنى مفهوما جديدا للصورة من جهة، واعتبر المحررات الالكترونية دليلا كتابيا من جهة ثانية.
ولقد اعتبر ذلك بمثابة ارتقاء تشريعي بقواعد الأدلة الالكترونية إلى مستوى القواعد العامة، مع وجود استثناءات، وإذا كان القانون الفرنسي قد أقام التكافؤ بين المحررات الالكترونية والمحررات الورقية فإنه في المقابل تدخل ليضع حدودا وشروطا لهذا الاعتراف، فبمقتضى المادة 1316/1 اشترط أن تكون الرموز أو الأرقام أو العلامات على وضع يسمح بقراءتها، بمعنى أن تكون مكونات الكتابة ذات دلالة تعبرية مفهومة، كما اشترط كذلك لزوج ارتباط المحرر بتوقيعالالكترونياستوفى الشروط التي تجعله مؤديا لوظائف الترقيع بصفة عامة، وعلى نحو يمكن من الكشف على أي تلاعب في الكتابة، هذا وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الفرنسي قد قيد قبول الدليل الكتابيالالكترونيفي الإثبات يفيد بينهما: تحديد سلامتها.1
أما بالنسبة لصورة فقد أخضع المشرع الفرنسي عن منحها حجية في الإثبات متى توافر على شرطين أساسيين هما:

+التطابق: ومعناه أن تأتي الصورة مطابقة للأصل مطابقة تامة، بمعنى أن تكون المطابقة في الشكل والمضمون.

+الـدوام: من خلال التعريف الوارد في الفقرة 2 من المادة 1348 من التقنين الفرنسي، يتضح أن المقصود بالدوام، الإثبات، وعدم القابلية لزوال، وعدم صلاحية الدعمات المستخدمة لإعادة استخدامها مرة أخرى.

وهكذا فمتى استوفت الصورة هذين الشرطين إلا واعتبرت ذات حجية في الإثبات إذا كان الأصل غير موجود، مع العلم أن هذه الحجية تبقى خاضعة لسلطة التقديرية للقاضي دون الرقابة عليه من محكمة النقض فإن شاء أخذ بها وإن شاء طرحها جانبا.2

ثانيا: موقف المشرع المصري

في ظل القانون الحالي أبى المشرع المصري إلا أن يمنح لوسائل الاتصال الحديثة حجية قانونية في الإثبات، فمعلوم أن القانون المصري يتطلب الكتابة في إثبات بعض التصرفات القانونية.

بيد أنه في نطاق هذه التصرفات القانونية أورد بعض الاستثناءات التي لا يلزم فيها وجود الدليل الكتابي الكامل، ثم أن المشرع المصري أخذ بمبدأ الإثبات الحرفي مواجهة التجار في المادة التجارية، وسمح للأطراف باستبعاد نظام الإثبات والاتفاق عل تنظيم حجية المستندات والوثائق التي يتعاملون بها، فقواعد الإثبات قواعد مكملة وليس آمرة، ومن تم يجوز الاتفاق على مخالفة أحكامها. ثم إن المشرع قد أجاز بنص صريح الإثبات بكافة الطرق والوسائل ما دام هناك مانع يتعذر معه إعمال الدليل الكتابي أيا كان نوع هذا المانع.

ويدخل في ذلك المانع بحكم عادة فمتى اعتاد الأفراد مثلا التعامل فيما بينهم دون الحصول على دليل كتابي كما هو الحال في التعامل بوسائل الاتصال الحديثة يستسيغ الأخذ بهذه الوسائل حجة في الإثبات.
والمانع سيان أكان مانعا ماديا ناشئا من الظروف الجارحية لإبرام التصرف والتي تمنع ماديا من الحصول على دليل كتابي أو مانعا أدبيا ناشئا عن اعتبارات معنوية دون المطالبة بالكتابة، قلنا تحقق المانع بنوعيه يسعف الأخذ بوسائل الاتصال الحديثة في الإثبات كالحاسب مثلا خصوصا النسخة الالكترونية ومصفرات الفيلمية وموقع الويب وهي الصفحة التي تظهر على شاشة الحاسب الالكتروني.

الفقرة الثانية: قبول بعض القوانين المغربية الخاصة للتقنيات الحديثة

في خضم التطور الحادث في مجالات الاتصالات الالكترونية، مع ما صاحب ذلك من تغيرات جذرية على الطرق التي أصبحت تتم بها المعاملات التجارية. عرفالتشريعالمغربيبروز مجموعة من النصوص التي تجيز اعتماد بعض التقنيات الحديثة في الاثبات، وإن كان الأمر يحتاج إلى تدخل فعلي عبر قانون ينظم التجارة الالكترونية بشكل عام، والإثبات في المعاملات الالكترونية بشكل خاص، وسنحاول من خلال هذه الفقرة الوقوف قدر الإمكان عند بعض التطبيقات المتناثرة في بعض النصوص والقوانين الخاصة، محاولين استجلاء موقفالتشريعالمغربيمن التقنيات الحديثة ومدى حجيتها في الإثبات، ومن بين هذه القوانين نجد:

أولا: القانون المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها

ثانيا: قانون حرية الأسعار والمنافسة

ثالثا: مدونة الشغل الجديدة

رابعا: قوانين خاصة أخرى

أولا: القانون المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها

باستقراء القانون المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها، نستشف أن من بين المهام المسندة لمؤسسة الائتمان كما أشارت إلى ذلك المادة الأولى وضع مختلف وسائل الدفع رهن تصرف العملاء والقيام بإداراتها، من دون أن تحدد هذه المادة ما إذا كانت هذه الوسائل تقليدية أو آلية حديثة، وهو الأمر الذي تجاوزته المادة 4 من نفس القانون أكدت صراحة بأن: " وسائل الدفع هي جميع الوسائل التي تمكن أي شخص من تحويل الأموال حينما كانت الطريقة أو الخطة التقنية المستعملة لذلك".
فهذه المادة جاءت على صيغة العموم دون تحديد أكانت هذه الوسائل شيكا أو كمبيالة أو سند لأمر أو إذ ناب بالتحويل أو فاكسا أو بطاقة ائتمان أو وفاء أو وثيقة معلوماتية أو بيانات الكترونية، ولعل في ذلك أخذ صريح لمستجدات التقنيات الحديثة والأكثر من ذلك المادة 106 من نفس القانون اعترفت صراحة بالحجية القانونية لكشوف الحسابات والتي نعلم أنهتا أحد مستخرجات التقنيات الحديثة1، وهو ما كرسه العمل القضائي في أحد قراراته حينما اعتبر الكشوف الحسابية البنكية لها حجيتها رغم إنكار.2
ولأجل ذلك قيل بأن القانون المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان مراقبتها، قانون رائد وإطارا قانونيا وتجريبيا لمدى نجاعة وسائل الإثبات الحديثة، خاصة وأنه يمس شريعة عريضة وحساسة من المجتمع.

ثانيا: قانون حرية الأسعار والمنافسة3
جاء القانون 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة بأحكام لا غنى عنها لتحقيق التنمية الاقتصادية، وضمان رفاهية المستهلك، وتتجسد هذه الأحكام في تنظيم حرية الأسعار من جهة وتنظيم المنافسة الحرة من جهة ثانية. والهدف بطبيعة الحال هو ضمان الشفافية والنزاهة في العلاقات التجارية.
ومن الأمور التي تحسب لهذا القانون الجديد حرصه على التلائم مع مستجدات التقنيات الحديثة، وهو ما نلمسه من قراءة بعض مواده.
وهكذا فقد جاء في المادة 47: " يجب على كل من يبيع منتوجات أو يقوم خدمات أن يعلم المستهلك عن طريق وضع علامة أو ملصق أو إعلان أو بأي طريقة مناسبة أخرى بالأسعار والشروط الخاصة للبيع أو لا تجاز خدمة".
فإعلام المستهلك بأسعار المنتوجات والخدمات وغيرها كما جاء في صريح المادة يمكن أن يتم بأي طريقة أخرى مناسبة، والتي قد تكون فاكس أو إنترنيت وغيرها من التقنيات الحديثة.
كما جاء فقي المادة 48 على أنه: " يجب على من يبيع منتوجات أو يقدم خدمات أن يسلم فاتورة أو تذكرة صندوق أو أي وثيقة أخرى يقوم مقامها على كل مستهلك بطلب ذلك" فالفاتورة قد تقوم مقامها أي وثيقة أخرى، حتى ولو كانت أحد مستخرجات التقنيات الحديثة.4
فالواضح إذن أن الصياغة العامة لهذه النصوص، تمنح لمستجدات التقنيات الحديثة إمكانية المساهمة في حماية المستهلك من جهة، وإضفاء الشفافية على العلاقات التجارية بين المهنيين من جهة أخرى. خاصة وأنها تمكن هؤلاء الأطراف من مجموعة من الوسائل التقنية التي تسهل عملية التعامل فيما بينهم.

ثالثا: مدونة الشغل الجديدة

من خصوصيات القانون الاجتماعي أنه لم يكتف بالقواعد العامة في الإثبات الواردة في ق.ل.ع فهكذا ومراعاة منه للمراكز الاقتصادي الضعيف للأجير في مواجهة المشغل فإنه حرص على تنظيم إثبات الأجر بمقتضى وسائل خاصة تسير عمل القضاء وتتمثل هذا الوسائل في ثلاثة وهي: ورقة الأداء، دفتر الأداء، وتوصيل تصفية كل حساب.
والملاحظ أن المشرعالمغربيفي المدونة الجديدة للشغل، اعتبر بعض التقنيات الحديثة وسائل الإثبات واقعة أداء الأجر، فقد جاء في المادة 372: " يمكن بطلب من المشغل الاستعاضة عن دفتر الأداء، باعتماد أساليب المحاسبة الميكانوغرافية أو المعلوماتية أو أية وسيلة أخرى بين وسائل المراقبة التي يراها العون المكلف بتفتيش الشغل كفيلة بأن تقوم ذلك الدفتر".
ثمن هنا، يجب على المشغل أن يحتفظ بمستندات المحاسبة الميكانوغرافية والمعلوماتية أو بوسائل المراقبة الأخرى التي تقوم مقام دفتر الأداء هذه لا تقل عن سنتين من تاريخ اعتماد ترك المستندات أو الوسائل مع وجوب وضعها رهن إشارة عون التفتيش ومفتشي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذين يمكنهم طلب الإطلاع عليها في أي وقت.1
والواقع أن هذه المقتضيات إن دلت فإنها تدل على متى واحد، وهو انفتاحالتشريعالمغربيعلى التقنيات الحديثة، واعتبارها ذات حجية في الإثبات.

رابعا: قوانين خاصة أخرى

إن اعتماد التقنيات الحديثة، لم تقف فقط عند حدود النصوص القانونية المشار إليها، بل تتعداها إلى نصوص أخرى مثل:
1-قانون رقم 97-15: بمثابة مدونة التحصيل الديون العمومية، والذي جاء في مادته 20 أنه: "تؤدى الضرائب والرسوم والديون العمومية أخرى إما نقدا أو بواسطة تسليم شيك أو عن طريق تحويل الدفع لفائدة حساب مفتوح في اسم المكلف بالتحصيل أو بأي وسيلة أخرى للأداء منصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل..."
فأداء الديون العمومية قد يتم بأي وسيلة أداء، والتي قد تكون أحد مستجدات التقنيات الحديثة ما دام أنه من شأن هذه التقنيات الوصل إلى الغاية المتوخاة ألا وهي أداء الدين العام.
2-القانون رقم 9.88: المتعلق بالقواعد المحاسبة الواجب على التجار العمل بها والذي أوجب في مادته الأولى على: " كل شخص طبيعي أو معنوي له صفة تاجر بمدلول هذه الكلمة في قانون التجارة أن يمسك محاسبته وفق القواعد التي ينص عليها القانون والبيانات الواردة في الجداول الملحقة به...".
فلكي تكون المحاسبة دقيقة وفعالة خاصة بالنسبة للمؤسسات الكبرى، فإنه من الأفيد الاستعانة بمستحضرات ومستجدات التقنيات الحديثة لإنجاز مختلف العمليات التي ترتكز عليها المحاسبة، فتصبح تلك المستخرجات المضبوطة كوثائق محاسبية يمكن الاعتماد عليها في إثبات الحقوق سيما بين التجار.
وإضافة إلى هذه النصوص والقوانين الخاصة، فإن هناك مجموعة من الظهائر قد اهتمت مستجدات التقنيات الحديثة وأشارت إليها سواء من بعيد أو من قريب ونذكر من بين هذه الظهائر:
-ظهير شريف معتبر بمثابة قانون رقم 221-93-1 صادر في ربيع الآخر 1414 موافق ل 21 سبتمبر 1993 يتعلق ببورصة القيم
-ظهير شريف معتبر بمثابة قانون رقم 212-93-1 صادر في 04 ربيع الآخر 1414 موافق ل 21 سبتمبر 1993 متعلق بمجلس القيم المنقولة وبالمعلومات المطلوبة على الأشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور إلى الاكتساب على اسمها أو سنداتها.
-ظهير شريف رقم 19-00-01 صادر في 09 ذي القعدة 1420 موافق ل 15 فبراير2000بتنفيذ القانون رقم 1797 المتعلق بحماية الملكية الصناعية.
-ظهير شريف رقم 20-00-1 صادر في 09 ذي العقدة 1420 موافق ل 15 فبراير 2000 بتنفيذ القانون رقم 2.00/2 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

المطلب الثاني: إثباتالعقدالالكتروني: أية فعالية لقواعد الإثبات المضمنة في ق.ل.ع؟

إن البحث في مدى فعالية قواعد الإثبات التقليدية المضمنة في صلب قانون الالتزامات والعقود، وحدود استيعابها للتطورات الحديثة التي أفرزت ما يسمى بالعقدالالكترونييفرض علينا أن نبين مدى اتصال تلك القواعد بالنظام العام (الفقرة الأولى)قبل أن نبحث في مدى إمكانية تطويع هذه القواعد لتغدو مستجيبة لإثباتالعقدالالكتروني(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مدى اتصال قواعد الإثبات بالنظام العام

إن الفائدة المرجوة في البحث في مدى اعتبار قواعد الإثبات متعلقة بالنظام العام من عدمه تتجلى أساسا في النتائج المترتبة على ذلك فالقول بأن مدة الوسائل من النظام العام يتيح للأطراف إمكانية التمسك بما في أية مرحلة من مراحل التقاضي بل ويمكنه إثارتها لأول مرة أمام مجلس الأعلى بمعنى أنها من القواعد الآمرة والاتفاق على مخالفتها يعد باطلا بطلان مطلق.
أما القول بخلاف ذلك، من أن قواعد الإثبات غير متعلقة بالنظام العام.فينبغي عكس النتائج الأولى، فهي من تم قواعد مكملة يمكن الاتفاق على خلافها تم إنه لا يسوغ التمسك بها إلا ممن لهم المصلحة وبالتالي لا يمكن إثارتها لأمل مرة أمام المجلس الأعلى.
والواقع أن هذا الموضوع عرف انقساما فقهيا وقضائيا بين من يرى باتصال قواعد الإثبات بالنظام العام وبين من يرى غير ذلك، وكل من الفرقين أسس دراية انطلاقا من مجموعة من المؤيدات والمبررات القانونية.
أما عن موقف المشرعالمغربيفالملاحظ أن لم يضع قاعدة جواز اتفاق الأطراف على مخالفة القواعد الموضوعية للإثبات في نص تشريعي، ولكن عملا بالرأي السائد فقها وقضاءا في فرنسا فإن بعض الفقه المغربي1 يرى بأن كل اتفاق من شأنه أن يعدل في قواعد الإثبات يعتبر اتفاقا صحيحا شريطة بأن يكون هذا التعديل أثناء سير الدعوى ليخلص إلى أن القواعد المتعلقة بمحل الإثبات وحيدة وطرقه لا تتصل بالنظام العام فيجوز الاتفاق على مخالفتها والتنازل عنها ولا يجوز المسك بها في أية حالة كان عليها الدعوى إلا إذا كان هذا التمسك في أول مرحلة من مراحل الدعوى وقبل الدفع بالأساس حتى أنه لا يحق للقاضي أن يرفض مخالفتها من تلقاء نفسه.
أما القضائي فنسجل بشأنه سكوتا وفراغا كبيرين حين لم يعبر المجلس الأعلى وزلا محاكم الموضوع عن رأيهم في الموضوع.

الفقرة الثانية: حدود استيعاب القواعد العامة لإثباتالعقدالالكتروني

لئن كان المشرعالمغربيأقر بموجب الفصل 443 من ق.ل.ع بقاعدة أساسية مفادها أنه لا يجوز الإثبات بالشهادة متى تجازوت الاتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية قيمة 250 درهم وإن أكد أيضا من خلال الفصل 444 من نفس القانون على أنه لا تقبل في النزاع بين المتعاقدين شهادة الشهود لإثبات ما يخالف.
بعد أن تطرق الفصل 443 من قانون الالتزامات والعقود إلى قاعدة أساسية ضمن فيها أنه لا يجوز الإثبات بالشهادة متى تجاوزت الاتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية قيمة 250 درهما، وتطرق كذلك الفصل 444 من نفس القانون إلى أنه لا تقبل في النزاع بين المتعاقدين شهادة الشهود لإثبات ما يخالف أو يجاوز ما جاء في الحجج ولو كانت القيمة تقل عن 250 درهما، نلاحظ أن المشرع قد نص على حالات أجيزت فيها الشهادة على سبيل الاستثناء وذلك في الفصلين 447و 448 من قانون الالتزامات والعقود.
وقد نص الفصل 447 من قانون الالتزامات والعقود على الحالة الاستثنائية الأولى التي يجوز فيها الإثبات بالشهادة حيث جاء فيه:
<<لا تطبق الأحكام المقررة فيما سبق (يعني الفصلين 443و 444) عندما توجد بداية حجة بالكتابة، وتسمى بداية حجة بالكتابة كل كتابة من شأنها أن تجعل الواقعة المدعاة قريبة الاحتمال إذا كانت صادرة ممن يحتج بها عليه، أو ممن أنجز إليه الحق، أو ممن ينوب عنه.
وتعتبر صادرة من الخصم كحجة يحررها بناء على طلبه، موظف رسمي مختص، في الشكل الذي يجعلها حجة في الإثبات، وكذلك أقوال الخصوم الواردة ي محرر أو في حكم قضائي صحيحين شكلا>>.
أما الفصل 448 من قانون الالتزامات والعقود، فقد نص على حالتين يجوز فيهما كذلك الإثبات بشهادة الشهود، وهما حالة فقدان السند الكتابي وحالة المانع من الحصول على دليل كتابي وذلك كالآتي:
<<استثناء من الأحكام السابقة يقبل الإثبات بشهادة الشهود:
1-في كل حالة يفقد فيها الخصم المحرر الذي يتضمن الدليل الكتابي الالتزام له أو للتحليل من التزام عليه نتيجة حادث فجائي أو قوة قاهرة أو سرقة، وتخضع الأوراق النقدية والسندات لحاملها لأحكام خاصة.
2-إذا تعذر على الدائن الحصول على دليل كتابي لإثبات الالتزام كالحالة التي تكون فيها الالتزامات ناشئة عن شبه العقود وعن الجرائم والحالة التي يراد فيها إثبات وقوع غلط مادي فقي كتابة الحجة أو حالة الوقائع المكونة للإكراه أو الصورية أو الاحتيال أو التدليس التي تعيب الفعل القانوني وكذلك الأمر بين التجار فيما يخص الصفقات التي لم تجر العادة بتطلب الدليل الكتابي لإثباتها.
تقدير الحالات التي يتعذر فيها على الدائن الحصول على الدليل الكتابي موكول لحكمة القاضي>>.
يلاحظ من خلال الفصل 447 المذكور سابقا، أنه قد نوجد أحيانا أما دليل كتابي لكنه دليل غير مكتمل الشروط، كالورقة الرسمية التي تخلف أحد شروطها الرئيسية، أو الورقة العرفية التي لا تحمل توقيعا في هذه الحالات تكون الورقة باطلة من حيث الشكل المطلوب قانونا، ولكنها تعتبر بداية حجة كتابية، فتقبل حسب مفهوم الفصل المذكور على أساس أنها دليل ناقص تنقع تكملته بطرق أخرى كالشهادة على سبيل المثال.
أما فيما يتعلق بالفصل 448، فيستنتج من خلاله أنه يصعب على بعض الأشخاص في ظروف معينة إعداد دليل كتابي. وقد تبلغ هذه الصعوبة حد الاستحالة فيأخذ القانون هذه الظروف في الاعتبار ويعفي أصحابها من الإثبات بالكتابة وذلك حماية لحقوقهم، وعادة ما يكون مرد هذه الاستحالة على ظروف مادية أو نفسية حالت دون إعداد هذا الدليل، وأحيانا أخرى يكون الدليل قد تم إعداده فعلا لكنه فقد في وقت لاحق لظروف مماثلة.1
فإذا كانت الحالة الأولى قد سمح فيها المشرع بالإثبات بالشهادة لأن المدعي قد استحال عليه وقت إبرام التصرف أن يحصل على دليل كتابي، فإنه في الحالة الثانية نوجد أمام استحالة لاحقة للتصرف بين الحالتين هو الذي جعل المشرع يجمع بينهما في فصل واحد.1
وسواء كان المانع أدبيا أم ماديا، فقد كان الأجدر بالمشرعالمغربيإسقاط الفقرة الثانية من الفصل 448 من قانون الالتزامات والعقود، مادام أن الأمر يتعلق في حالة المانع المادي بوقائع مادية يمكن إثباتها بكافة
طرق الإثبات، ومن ذلك شهادة الشهود مثلا، أما في حالة المانع الأدبي فيمكن الرجوع إلى القواعد العامة ما دام لا يوجد نرص يقضي بوجوب الأخذ بهذا المانع.
والتساؤل الذي يطرح نفسه في هذا المقام، هو هل اعتبار التعامل بوسائل الاتصال الحديثة كالحاسب الآلي والإنترنيت لإبرام العقود الالكترونية بمثابة مانع يتعذر معه إعداد الدليل الكتابي؟
إن المانع المادي يقوم إذ نشأ التصرف في ظروف يستحيل معها على المتعاقد الحصول على دليل كتابي، بحيث لا تترك له تلك الظروف الوقت المناسب للتنفكير في الدليل الكتابي.
ونعتقد أنه من قبيل هذه التصرفات التي تنشأ في ظروف يستحيل معها إعداد الدليل الكتابي وخصوصا فيالعقدالالكتروني، وفي هذا السياق، ذهب البعض على أنم العادة قد تشكل مانعا يجيز الإثبات بكافة الطرق والوسائل " فإذا ما اعتاد الأفراد مثلا التعامل فيما بينهم دونت الحصول على دليل كتابي كما هو الحال في التعامل بوسائل الاتصال الحديثة، واستمر الحال فترة من الزمن يشكل مانعا بحكم العادة، والقول بغير ذلك سيجعل العقود التي تبرم بين رجال الأعمال المنتشرين في جميع أنحاء العالم تتم دون دليل عليها وهذا ليس في مصلحة أحد".2
وخلاصة القول، فإن المشرع المغربي قد أجاز بنص الإثبات بكافة الوسائل، كلما وجد مانع يتعذر معه إعداد الدليل الكتابي مما يتأكد معه إمكانية إثباتالعقدالالكترونيبكافة الوسائل المتاحة فيما لو تعذر إثباته بالكتابة، مع العلم أن للقاضي في إطار ممارسته مهمة التسيير من هذا النوع من العقود، سلطة تبقى خاضعة لرقابة المجلس الأعلى، ما دامت وسائل الإثبات من مسائل القانون لا الواقع.

____
ينصح بالرجوع للجزء الاول 

و
ليصلك جديد مواضيع المدونة/  قم بالتسجيل في القائمة البريدية من هنـــا
___________________




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-