أخر الاخبار

المال والإدارة والقانون في العصر الرقمي

الادارة ، المال ، القانون ، لم تعد تماما تلك المفردات التي الفناها سابقا ، قبل حمى ثورة التغيرات ، ثورة الانتقال من القيم الملموسة والموجودات الى القيم المعنوية ئئئئئئوالابداع .. الانتقال من اهمية المنتج بذاته الى جودة المنتج .. من شمولية التنظيم الى التخصصية .. من الانتماء الاداري الى العقل الاداري المنتمي ... من الحماس الى التخطيط المعزز لفرص النماء وقيم الانتماء .. من الروتين الى السرعة في الاداء وليس التسرع .. من عصر الموجودات الى عصر الرقميات .. من عصر المحتوى القومي الاقتصادي الى عصر الانفتاح .. اقتصاد ما بين الدول كمقدمة واوليات للاقتصاد المعولم ...

 

وهذه ليست كل المتغيرات ، وليست اكثر من سمات عامة ، وقد شرعنا كباحثين واقتصاديين في الاصرار على اننا نحيا عصر العولمة ، واستخدمنا للتدليل على دخولنا هذا العصر نظريات انفتاح السوق وتحرير التجارة والخدمات وانتقال حركة راس المال والاستثمار ، ودور الشركات عابرة الحدود ووسائل الربط الاتصالي التبادلي وشبكات المعلومات البينية التي لا تعترف بالجغرافيا والمكان .. لكن ما يدهش حقيقة ، وقد يدهش بعضكم ،اننا لا نعيش عصر العولمة او الاقتصاد المعولم ، ان العالم لما يزل يحيا سمات الانتقال لهذا العصر ولا يحياه بعد . ولسنا في اكثر من مرحلة اقتصاد ما بين الدول مع استمرار المحتوى القومي للاقتصاديات ، في حالة شبيهة وتحمل ذات سمات النظام الاقتصادي السائد واتجاهات الانفتاح في اواخر القرن التاسع عشر حتى عام 1914 . وثمة حقيقة تؤكدها تقارير ودراسات كبرى مؤسسات الاقتصاد والتجارة العالمية ، ان الشركات متعددة الجنسيات لما تزل بعيدة عن العالمية بالمعنى المطلوب للاقتصاد المعولم ولا تزال ذات محتوى قومي ، ولنا في الحدث الامريكي الاخير اشارة وبرهان على صحة هذا القول ..

والعولمة القادمة سمة عصر تسود فيه قوانين الجماعة ، كل الجماعة ، ونظريات الاداء فيه تخص الكافة ، كل الكافة .. ونظريات الادارة والمال والقانون فيه تنهي الارتباط العضوي بالنظم التاريخية التي نشات فيها لتحل محلها سمات النظام العولمي ، وفيه تكون احتمالات التيه اكثر بكثير من احتمالات الوصول للهدف ووضوح الرؤيا ان لم تكن الخطوات الممهدة لدخوله مدركة التغير القائم ومدركة الخيارات الاتية ..

ان حقائق عصر العولمة القادم واقتصاد ما بين الدول القائم ، اذا ما اريد قراءتها مع تجارب الاستثمار العربي المعلن عنها انها مشوعات عصر تحرير التجارة والخدمات ة ، وجب القول ان البناء الذاتي لبيئة الاستثمار هو المدخل لتحقيق انجاز في بيئة جذب الاستثمارات وحركة راس المال ، والمطلوب بناء اقتصاد متوائم مع سمات الاقتصاد القائم والقادم ، وتذكروا ان ناصية الامر بيدنا ، وهذا ما اثبتته تجارب الدول الاخرى المتقدمة والنامية التي حققت موضع قدم في عصر التغيرات ، انها مسائل مناطة بنا اولا لا بيد برامج التصحيح العالمية التي تخضع الان لاعادة تقييم ، فاذا كان البعض ممن اجاد التبشير لبرامج التصحيح المستوردة ولحزمة من النظريات الأمريكية المستنسخة معفيا نفسه من متاعب البناء الذاتي ، فعليه ان يعيد التقييم في ضوء ما ساد منذ عام 1998 في امريكا نفسها من دعوات الى اصلاح بنية المؤسسات النقدية والتجارية والمالية العالمية ..

هذا هو التحدي الذي تظهره تجربة تحرير التجارة العربية ، انه تحدي تجاوز الاماني المبني على تقديرات مستقاة من تجارب خارجية ، الى ادراك التحديات الداخلية والخارجية معا وتحديد الهدف ان كنا بحق نرغب ان نكون من ضمن اللاعبين او على الاقل ممن له موضع قدم في اقتصاد معولم لا نعيش بعد الا مقدماته . وعلينا ان ندرك ان مناط النجاح هو المواطن وعلينا ان نسلم ان المواطن لم يشعر بعد باي مما حملناه له او حلمنا بتحقيقه ، وهذا القول الذي يدركه المنفذون للسياسات لا يجهدون انفسهم في اعادة التقييم عله يتيح تغيير الواقع .

واقول اخيرا بشان هذه التجارب ، انه ثمة حاجة لتعظيم الايجابيات لتعم الكافة وليس قطاعات مختارة ، واشير اخيرا ان اخر تقييم لمدينة ( مرسى دبي ) الالكترونية ، التي تحيا وتدار بالوسائل الالكترونية ، قد اعاد دراسة كافة عناصر النجاح والاخفاق ، وتوصل الى حقيقة انه " لا البنى التحتية المميزة ، ولا الاموال الخيالية المنفقة كانت عنصر النجاح الحاسم ، بل تحديد الهدف اولا بانه انجاز مدينة ( الاذكياء والمبدعين ) وقدرة مخرجات المشروع على تحقيق هذا الهدف ، مما جعل المستثمر والمتملك في المشروع يفاخر انه من بين الاذكياء والمبدعين .

في القانون ، والخروج من نفق الاستنساخ المبتسر ...

ان مؤسسات الاعمال وقبلها مؤسسات التشريع وجهات القانون والهيئات والجمعيات المسؤولة عن الصناعة والتجارة وتحديدا التجارة الدولية ، يتعين عليها جميعا ان لا تغفل وثائق لجنة التجارة الدولية في الامم المتحدة ، ولا ما يتصل بها من مشروعات وثائق لا تزال امام عشرات اللجان التابعة لليونسترال وغيرها ، وثمة حاجة للرجوع اليها من اجل ادراك حركة التشريع المقارن سيما بالنسبة لمشروعات القوانين والقوانين المؤقتة المنظورة او تلك التي في طور الاعداد .

ودون المساس بالجهود المبذولة بل من منطلق تقديرها ، ثمة حقيقة موضوعية يتوصل لها الباحث لدى تقييم اداء مؤسساتنا التشريعية ، وهي ان ما نفتقده بحق هو القدرة على الاحاطة الشمولية بمتطلبات التشريع في العصر الرقمي وعصر تحرير التجارة والخدمات ، وغياب الرؤية العامة في التعامل معها ، ولمجرد التمثيل لا اكثر – مع ان الامثلة تطال مختلف التجارب – فان الاردن حين وضع تشريعا للمعاملات الالكترونية اعتمد فيه على القانون النموذجي لليونسترال عام 1996 ، ولان هذا (الاعتماد) اغفل بقية مسائل التشريع في الامور المرتبطة ، وتحديدا الارتباط بتشريعات تقنية المعلومات في الفروع الثمانية لقانون الكمبيوتر ، ادى لان يكون هذا التشريع منطويا على نقص حاد في الاحكام ، فقد اغفل ويغفل التوجيهات التشريعية المقارنة التي اظهرها القانون النموذجي للتواقيع الالكترونية لعام 2001 ، كما اغفل ويغفل الحاجة الى تشريع للخصوصية او تنظيم احكامه ضمن هذا القانون ، واغفل ويغفل ما توصلت له دول العالم مؤخرا اذ اقرت اتفاقية جرائم الكمبيوتر والانترنت العالمية فجاء ما تضمنه من نصوص بهذا الشان متخلفة عما تحقق عالميا ولدرجة تستدعي تعديله بعد فترة قصيرة جدا من اقراره ; وذات المثال يرد في حقل تشريعات الملكية الفكرية التي جرى سنها على عجل واعتمد في ذلك ترجمة بعض القوانين الاجنبية دون مراعاة الاحتياجات الوطنية في هذا الحقل ، فجاءت تشريعاتنا في هذا الميدان في جزء كبير منها غير قابلة للتطبيق وفي جزء آخر غير مدركة لالتزاماتنا الجديدة التي قررتها اخيرا الاتفاقية الامريكية الاردنية للتجارة الحرة ، فعلى سبيل المثال ، لم تدرك جهات التشريع ولا الجهات المعنية بالملكية الفكرية – وزارة الصناعة والمكتبة الوطنية – ان الاردن اذ دخل اتفاقية التجارة الامريكية اصبح ملزما باهم اتفاقيتين عالميتين في حقل حقوق المؤلف والحقوق المجاورة وهما اتفاقيتا الويبو لعام 1996 الذي لم يوقع عليهما الاردن او ينضم لهما حتى الان ، مع ان انضمامنا لهاتين الاتفاقيتين فيه الكثير من الايجابيات لما يكرس حقوقا لنا في مواجهة الالتزامات المفروضة علينا بموجب اتفاقيات التجارة الدولية وآخرها الاتفاقية الامريكية . وذات المثال ايضا يضرب بشان تشريعات المنطقة الاقتصادية في العقبة ، فلا التكاملية ولا وضوح الرؤيا هما ما يحكمان حركة التشريع بشانها ، انما مبادرات وتنظيمات مبتسرة ستؤدي في النتيجة الى عدم وضوح المحل موضوع التنظيم وهو ما يؤخر في تحقيق الاهداف اذا كنا ممن يدرك حقا ان التشريع السلس والشمولي والدقيق هو الارضية القوية لتحقيق اهداف التشريع نفسه .

المحامي يونس عرب

 

علامات Technorati: ,,



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-